غيّروا طريقتكم في التربية لئلا يصبح أولادكم مرضى نفسيين عندما يكبرون !
لن أسمح لنفسي بأن أحكم هنا على طفولتي فوالداي قدّما لي مستوى حياة وتربية ودراسات أعلى من التي تلقّياها في طفولتهما وأنا ممتنّة لهما.
يُسمّى هذا تقدّماً وفي عصر التقدّم هذا أودّ أن أدلي بشهادتي.
في الثلاثين من العمر بعد بضعة أشهر من إنجابي، دخلتُ إلى مستشفى الأمراض العقليّة بسبب “هلوسات ما بعد الولادة”.
بمعنى آخر: بسبب نوبة قلق كبيرة ونقص كبير في النوم أفقداني صوابي. كان هناك علامات كثيرة يجب أن تنذرني قبل هذه النوبة العنيفة التي فقدت خلالها السيطرة على نفسي وكدتُ أعرّض نفسي للخطر ولكن أمراضي النفسية لم تُشَخَص من قبل.
على إثر هذه الحادثة عولِجتُ لسنين طويلة من أجل الشفاء من اضطراباتي المرتبطة بالاكتئاب والقلق. سمحت لي متابعة الأطبّاء النفسيين ودعم زوجي وأقاربي ودوري كأم الذي ثابرتُ عليه وإعادة انخراطي في العمل، بأن أنهض من جديد شيئًا فشيئًا على الرغم من الفترات الطويلة المصطبغة بالأسى والقلق والشك ولكن مع رغبة شديدة في أن أكافح لكي أعيش وأكون سعيدة في النهاية.
ما تعلّمتُه في هذا المسار الطويل الذي بالطبع لم ينتهِ بعد هو أن البيئة العائلية التي كبرتُ فيها لم تسمح لي بتطوير الأمان العاطفيّ والداخلي ولا ثقتي بذاتي.ما أني حسّاسة جدًا لطالما كنتُ غارقة بعواطفي ومشلولة من مخاوفي ولا أتحمّل أقلّ ضغط نفسي وكنت أنتقل من فشل إلى فشل.
لحسن الحظ اليوم وبفضل العلاج النفسي وشغفي بعالم الطفولة والتربية استعدتُ ثقتي بنفسي وأحاول أن أقدّم لإبني بيئة عائلية مُحبّة ومطَمئِنة وبدأتُ بنشاطي كمدرّبة عائلية وها إني أثناء كتابتي لهذه السطور أتمنّى أن اُعلِم الأهل عن المبادئ اللطيفة للتربية.
في الواقع التقدّم الذي أشهد عليه هو ذاك الزخم الذي يدفع الأجيال الجديدة من الأهل إلى أن تتبنّى الأبوّة الإيجابية.
ما هي الأبوّة الإيجابية؟
على هؤلاء الأهل أن يعيدوا النظر في طريقتهم بتربية أولادهم وأحيانًا أن يعكسوا تربيتهم وأن يبحثوا عن وسائل لتحسين حياتهم العائليّة.
الأبوّة الإيجابية تدعو الأهل أن يصغوا إلى حاجات أولادهم الجوهرية وإلى عواطفهم وأن يحاولوا الإجابة بطريقة مناسبة.
كما تقترح أيضًا وسائل لكي تسمح للأهل أن يمارسوا سلطتهم ويضعوا حدودًا لأولادهم بطريقة غير عنيفة.
وأخيرًا تهدف الأبوّة الإيجابية أيضًا إلى تحسين العلاقات بين الأهل والأولاد والعلاقات بين الأشقّاء واضعة أسسًا للتواصل السلس.
هذا التقدّم الذي يقتصر على الاعتناء بالتوازن النفسي والعاطفي للأولاد يهدف إلى تحقيق تطوّرهم وسعادتهم في كافّة مراحل حياتهم.
وعندما نتبنى طرقًا تربوية متمرّسة في أسَرِنا لن يؤدّي ذلك إلّا إلى مجتمع أصحّ وأكثر تضامنًا وسلامًا يساهم فيه أولادنا بدورهم في مساعدة الآخرين وجعل العالم أفضل.