لقد اخترت أن أربي ابنتي بلطف. هذا يعني بدون عنف جسدي (ضرب على القفا، صفع، حمام بارد..) لكن أيضاً بدون عنف لفظي (صراخ، إنذار، ابتزاز، سخرية، إطلاق أحكام، تقليل من قيمتها..) و…بدون عقاب ولا مكافأة.
هذا لا يعني أنه لا يحدث لي أن أصرخ أو أقول شيئاً لم اكن أريد أن أقوله، عندما أكون متضايقة من ابنتي فأبعدها عني وأحرمها هكذا من الانتباه الذي كانت تطلبه، وربما حتى أتصرف بطريقة مفاجئة وحتى عنيفة، تبدر مني قبل أن أستطيع التحكم بنفسي. نحن كلنا بشر في الظروف السيئة والظروف الحسنة، مع واقعنا الذي نعيشه وردات فعلنا الآلية والعنف المدفون في داخلنا:
نحن لسنا بمنأى أبداً من فقدان السيطرة، من فعل ما قلنا إننا لن نفعله أبداً، وخصوصاً عندما نكون متعبين ( وغالباً ما نكون متعبين..). لكن إذا حدث هذا، سيكون انحرافاً : لن تسمعونني أقول أبداً إن هذا “لصالح” الولد؛ وإنني “أعلّمه” أو “أربيه”، الخ.
عندما أتكلم عن هذا الموضوع مع من حولي، أصطدم غالباً بتفاجؤ، بعدم فهم، بازدراء ..البعض يهاجمني بشكل مباشر، البعض الآخر يجادل ويدافع عن طريقته بالتربية، والبعض يقول أو يفكر بقوة أنه بسبب أناس مثلي هناك هذا القدر من الأولاد المدللين. حتى أولئك الذين يؤيدون منع الصفع على القفا أو الصراخ، يجفلون من إلغاء العقوبة. يقولون مثلاً :”لكن كيف سيفهم الأولاد؟”.
أعني بالعقاب كل العقوبات التي يقررها الأهل بشكل تعسفي رداً على تصرف من ولدهم، وهي تهدف إلى حرمان الولد من شيء ما (غرض، انتباه..) لكي يفهم أنه يجب ألا يفعل ما فعله. قد يكون حرمان الولد من لعبة، من خروج، من زيارة ، وضعه في الزاوية أو على كرسي العقاب، إرساله إلى غرفته، رفض منحه شيء كان يتوقع الحصول عليه، رفض معانقته أو اللعب معه أو تخصيص وقت له..
أنا أعرف أن بعض الأهل مبدعون في العقوبات التي يفرضونها على أولادهم، لكن برأيي أنهم ينتقلون بهذا إلى الاعتداء السافر الذي ليس له علاقة بمعظم الأهل.
لكن أغلبية الأهل يلجأون إلى العقاب بنية حسنة في التربية، في جعل الولد يفهم ويطبق القواعد ويحترم حاجاتهم الخاصة، مع أخذ القرار باستحالة فعل غير هذا وأنهم يؤدون خدمة للولد ويحضرونه لوظيفة العقاب من قبل المجتمع.
وهكذا يطبق الكثير من الأهل نظرية العقاب “فقط” : مع عقاب يناسب الخطأ الذي حدث ومع الوقاية مقدماً من العقاب الذي يمكن أن يحدث. وانتبهوا، إذا هددنا بالعقاب، يجب أن ننفذ، هذه هي القاعدة ! باختصار، أغلب الأهل يعرفون “سوبر ناني” ونصائحها العفنة ويطبقونها بعناية لكي لا يوصفوا بالتخلف. والبعض من الأهل لا يطرحون أي تساؤل أو يفعلون ما فعله معهم أهلهم.
أنا أفهمهم تماماً : لقد شاركت أنا أيضاً هذه الرؤية للأشياء مدة طويلة، لقد فكرت أنه في مواجهة التصرفات السيئة، يجب أن أقمع، لقد حكمت أنا أيضاً على الأولاد المشاغبين بأنهم “أولاد قذرين رباهم أهل متساهلون تربية سيئة”، لقد اعتبرت أنا أيضاً الأولاد كحيوانات صغيرة يجب ترويضها بالتناوب بين المكافأة والعقاب لكي يفهموا كيف يسير العالم.
ثم ذات يوم، صدمني هذا السؤال وغيّر طريقة تفكيري تماماً : لماذا نعتقد أنه، لكي يتصرف ولدنا أفضل، يجب أولاً أن نجعله يشعر بالأذى والألم ؟ هذا محفور بعمق في كل العقليات ولكنه أمر لا معنى له.