الوسواس القهري
معظم الناس مصابون بنوع من أنواع الوسواس لكنهم يعتبرون الأمر شيئاً عادياً. في بعض الحالات قد يكون الوسواس عارضاً لكنه يتحوّل غالباً إلى حالة تفسد على الفرد حياته وتسبب له مشاكل كثيرة. الوسواس القهري من المشاكل النفسية الأكثر انتشاراً فلعلك مصاب أنت أيضاً به دون أن تعلم!!
الوسواس القهري هو حين يجد المريض نفسه مضطراً للتقيّد بشيء ما أو عمل ما بشكل صارم. فالإحجام عن القيام بذلك يؤدّي، بالنسبة إلى الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب، إلى وقوع كارثة كبيرة. وعندما يجبر المريض نفسه على عدم التقيّد بالدافع القسري، يزداد الضغط النفسي بشكل هائل، ولا يخفّ هذا الضغط النفسي إلاّ بتلبية الدافع القسري.
يعتقد المصاب بهذا الاضطراب أنّه بتلبية الدافع القسري بشكل متكرّر سينجح في التخلّص من الوسواس. قد يكون المصابون بهذا الاضطراب مدركين أن تنفيذ الدافع القسري أمر غير منطقي، لكنّ القيام بهذا العمل قد نجح في الماضي في التخفيف من الشعور بالخوف والتوتّر، ما يضطرّهم إلى تكرار العمل لكي يشعروا مجدّداً بالاسترخاء.
يبدو أن بعض المخاوف شائعة أكثر من غيرها، مثل الخوف من التلوّث بالأوساخ والجراثيم. في مثل هذه الحالة، يثير أي مكان أو أي وضع خوفاً شديداً من التقاط العدوى، قد يصبح الشخص المصاب بالاضطراب قلقاً بشكل مفرط إذا ما أُجبر على لمس شيء أو شخص ما يعتقد أنّه قد يصيبه بالعدوى. وتكون الاستجابة لهذا الوضع ببروز حاجة إلى الاغتسال بشكل متكرّر. وقد يغتسل مثل هؤلاء الناس لدرجة أن أيديهم أو أجسامهم تصبح حمراء متقرّحة وملتهبة.
قد يمثّل السلوك الجنسي خوفاً شديداً أو مجالات محرَّمة تربك الذين يختبرونها. وقد يصبح لمس الآخرين الدافع القسري المختار لتخفيف التوتّر الذي تسبّبه هذه الأفكار أو الرغبات. أعرف شاباً يشعر أنه مجبر على لمس ذراع الشخص الذي يتحدّث معه كطريقة للتعامل مع دوافعه الجنسية الوسواسيّة.
إن العدّ أو الجمع ، سواء كان عدّ أو جمع أرقام السيّارات أو الشقوق في الرصيف أو أي شيء آخر يمكن جمعه أو عدّه يمكنهما أن ينجما عن وساوس تتعلّق بالمخاوف الدينيّة والأخلاقيّة لجهة عدم التصرّف بطريقة مقبولة. وكثيراً ما يكون العدّ أو الجمع صامتاً وقد لا ينتبه الآخرون إلى ما يحدث. نظراً إلى كون الشكّ أو عدم اليقين جزءاً من الاضطراب الوسواسي القسري، فقد يشعر الشخص بالحاجة إلى إعادة العدّ باستمرار، من أجل التأكّد من أنّه عدّ بالشكل الصحيح في المرّة الأولى.
من الأوضاع الأخرى التي يُخشى حدوثها نذكر الترتيب. وكانت هذه حالة فتاة شابة أعرفها تخشى أن يحصل لها مكروه إن هي لم ترتّب سريرها وتملّسه بطريقة معيّنة وتصفّ ألعابها بترتيب محدّد، قبل الذهاب إلى النوم. قد يحتاج الشخص الراشد إلى وضع ممتلكاته في ترتيب أو نمط معيّن في الغرفة وبحسب «قواعد» محدّدة من أجل إبقاء الأفكار والمشاعر الدفينة تحت السيطرة.
قد يُبالَغ بعضهم بالنزعة إلى رفض كل ما دون مرتبة الكمال إلى حدّ التطرّف، حيث يجب تنفيذ مهام معيّنة وفق معايير يكاد يكون من غير الممكن بلوغها. تسبّب هذه الحاجة إلى أن يكون المرء كاملاً قدراً هائلاً من الضغط النفسي، الذي كثيراً ما يُخفَّف باللجوء إلى التجميع. وقد تقتضي الحاجة إلى بلوغ الكمال أن يعمل الشخص إلى ساعة متأخّرة من الليل للتأكّد من أن كل شيء هو 100% مثلما يجب أن يكون.
هل سبق لك أن تساءلت ما إذا كنت أقفلت باب البيت أو السيّارة واضطررت للعودة من أجل أن تتأكّد؟ هذه عادة شائعة نوعاً ما. ولكن إذا تحقّقت مرّتين من الباب ولا زلت تشكّ في أنك تحقّقت منه بالفعل أو تحتاج للعودة إليه بعدما فرض المنطق أن البيت أو السيّارة آمنان، فقد تكون على حدود الاضطراب الوسواسي القسري.
ويمكن أيضاً أن يكون سبب هذه الحاجة إلى التأكّد والتحقّق هو المهام والمشاريع التي قد تكون تأخّرت، ليس لأنها لم تُنجز ولكن بسبب الحاجة إلى التحقّق من المعلومات مرّة بعد مرّة من أجل بلوغ الكمال. ويمكن أن تكون هذه الحاجة إلى التحقّق والتأكّد أمراً مضاداً للاندفاعات العدوانية أو نتيجةً للخوف من فقدان السيطرة على المشاعر العدوانية والتصرّف بموجبها.