لماذا تخفيض حرارة الجسم أمر غبي وأحمق من الناحية العلمية ؟
ردة الفعل الاولى عند أغلب الأطباء والأهل والمرضى هي محاولة “تخفيض حرارة الجسم” إذا تجاوزت °38,5.
إنها حماقة كبيرة في أغلب الأمراض الفيروسية (وهي أغلبية الحالات !)، وستفهمون السبب فوراً.
تتغلغل الفيروسات في الجسم عن طريق الفم أو الأنف غالباً. إنها تدخل في خلية معينة وتتكاثر بداخلها حتى تصبح الخلية، مثل بيضة، مليئة بملايين الفيروسات.
إذا نظرتم في هذه اللحظة إلى الخلية بواسطة الميكروسكوب الالكتروني، ستظنون أنها مليئة بخلايا النحل : إنها الفيروسات التي تترابط فيما بينها كما الخلايا في قفير النحل ! بعد أن تستعمر الخلية تماماً، تموت هذه الأخيرة وتنفجر، وتخرج كل الفيروسات وتنتشر في كل الاتجاهات. فيدخل كل منها إلى خلية سليمة وتتكرر الدورة.
لهذا فإن انتشار الفيروسات سريع جداً. قد تصاب ملايين أو مليارات الخلايا في ظرف بضع ساعات. وعدد الذي بموت منها كبير جداً لدرجة أنكم ستعانون من إصابات في الأعضاء. ستشعرون بألم في المفاصل، في الرأس، في العضلات، في البطن، في الأذنين، أو أي مكان آخر بحسب الحالة.
لحسن الحظ أن جسمنا لا يبقى خاملاً تجاه غزو الفيروسات.
ما إن يدخل فيروس في خلية، حتى تفرز مواد تجعل الأوعية الدموية المحاذية تنتفخ. يتباطأ عندها الدم، ويتراكم في مكان العدوى، وهذا ما يسمح للكريات البيضاء التي تكون في الدم باختراق غشاء الأوعية الدموية والوصول إلى الخلية المصابة. تنجذب الكريات البيضاء فعلياً بالمواد التي تفرزها الخلية.
من جهتكم أنتم، تلاحظون وجود التهاب : لأن الدم يتراكم في مكان العدوى، فيصبح أحمر، ساخناً، ومؤلماً. ولكنها علامة جيدة.
هذا يعني أن “التهاباً” في طور أن يحدث. إنها آلية ينظمها الجسم ليدافع عن نفسه. تجد الخلية المصابة نفسها محاطة بملايين الكريات البيضاء. إنها كثيرة لدرجة أنها تسد التنفس على الخلية. عندما لا تعود الخلية قادرة على التنفس، تبدأ بالتخمر وتنتج ثاني أوكسيد الكربون والاحماض اللبنية. وهذا يخلق بيئة حمضية في الخلية تمنع تكاثر الفيروسات. كما أن التخمير يولد حرارة عالية يقتل بدوره الفيروسات.
بالطبع تموت الخلية ايضاً. لكن انتشار الفيروسات يتوقف، وهذا هو الأهم. عندما تموت الخلية، تموت الكريات البيضاء أيضاً وتفرز مواد ترفع حرارة الجسم. وهذا ما يؤدي إلى الحرارة والحمى. هذه الحرارة المرتفعة للجسم تقتل الفيروسات الأخرى الموجودة في أماكن أخرى من الجسم.
استراتيجية ردة فعل الجسم هي إذن مضاعفة : رفع الحرارة موضعياً، على مستوى الخلية المريضة، ورفع الحرارة العامة للجسم، وهذه هي الحمى. يساهم ردا الفعل هذان في إيقاف الالتهاب الفيروسي.
الالتهاب والحمى مفيدان لكم
الالتهاب عندما يكون عابراً والحمى، عندما لا تتجاوز °40، هي ردات فعل فعالة جداً في حماية الجسم من الفيروسات. إنها ردات فعل مهمة : فإذا لم يولد جسمنا الالتهاب، ستقتلنا الفيروسات دون أدنى مقاومة.
لفد عرف الناس هذا منذ القدم ؛ سابقاً، عندما كان المريض يصاب بعدوى أو التهاب، كانوا يضعونه تحت غطاء سميك، يجعلونه يشرب الكثير من المشروبات الساخنة كي يتعرق وترتفع حرارته.
فيروس خطر مثل فيروس شلل الأطفال، وهو يؤدي إلى إعاقة مدى الحياة، تنخفض سرعة تكاثره بنسبة 99% عندما ترتفع حرارة الجسم من °38,5 إلى °39 درجة مئوية !
يجب أن نعرف أنه، قبل سنوات الستينات، كل الناس كانت تصاب بين وقت وآخر بفيروس البوليو (شلل الأطفال). 90 إلى 95% من الأشخاص لم يكونوا يلاحظون حتى أنهم أصيبوا به، لأن الفيروس كانت تقضي عليه دفاعاتهم الطبيعية قبل حتى أن يؤدي إلى عوارض المرض. كانت الأقلية تقع فريسة المرض، ولكن موجة من الحمى كانت تقضي على الفيروس بحسب الآلية التي شرحناها سابقاً.
ولكن إذا كان أحدهم سيء الحظ وأخذ الأسبرين من أجل “تخفيض الحرارة”، فهنا الكارثة : كان الفيروس عندها يهاجم النخاع الشوكي ويؤدي إلى شلل الساقين.
لهذا فإن إعطاء الأسبرين أو البنادول لشخص مصاب بفيروس قد يؤدي إلى نتائج كارثية : عندما نخفض الحرارة ودرجة الالتهاب، نعطي دفعة قوية للفيروس. يصبح جسمكم محروماً من حمايته الطبيعية ولا يعود يمتلك أي وسيلة لمنع تكاثر الفيروسات والمرض.
لذلك ليس هناك أي عذر فعلي للأطباء كي يواصلوا ارتكاب خطأ “محاربة الحمى”، فهذه الظاهرة كانت مفهومة ومشروحة علمياً منذ سنوات الستينات، بقول آخر منذ نصف قرن.
يجب أن نسجل أن التعليمات الطبية الرسمية ما زالت تنصح حالياً بتخفيض الحرارة ما إن تبلغ °38,5 عند الأولاد بواسطة الأدوية. مع أن هذه التعليمات تعترف أن الحمى ليست خطرة بحد ذاتها (تحت °41) وأن العلاج لا هدف له إلا الشعور بالراحة، وأن له تأثيرات غير مرغوبة، نادرة ولكن خطيرة، عند استخدام بعض الأدوية لمحاربة الحمى”.
إذا لم تصل الرسالة حتى الآن، فمتى ستصل ؟
وكما رأينا في مثال شلل الأطفال، فإن فرقاً بسيطاً جداً في الحرارة (°0,5) يمكن أن يؤدي إلى تراجع هائل في تكاثر الفيروسات. إنه الفرق بين الصحة والمرض، وفي بعض الحالات، بين الحياة والموت !
كبح الحمى وتخفيض حرارة الجسم بواسطة الأدوية يمكن أن يزيد سرعة تكاثر الفيروسات لدرجة تقضي على جهاز المناعة.