اللامبالاة عند أطفالنا: ما الذي يؤدي إليها ولماذا تهدد مستقبلهم؟
اللامبالاة: مرض العصر:
ما الذي ينتظر الإنسانية إذا وصل الأولاد إلى سن المراهقة وسن الرشد وهم غارقون في اللامبالاة، لا يسعون إلا إلى دروب الراحة المفرطة واللامقاومة، مفتقرين إلى الطموحات التي تحفزهم على النمو والتغلب على العوائق والمساهمة في المجتمع الذي ينتمون إليه؟ إذا كان مفهومهم للحياة يعني تعاطي المخدرات ومعاقرة الكحول أو ركوب المخاطر من أجل الحصول على شحنة من الأدرينالين لتذكيرهم بأنهم ما يزالون على قيد الحياة، فمستقبل العالم في خطر. فهؤلاء الأولاد اللامبالون هم رجال المستقبل.
ما الذي يؤدي إلى اللامبالاة؟
تنشأ اللامبالاة كدفاع ضد التحفيز وما يثير الانتباه. فالطفل الذي عليه منذ نعومة أظافره أن يتأقلم مع البيئة المشبعة بالضجة والمحفزات البصرية والتغير الدائم سيعوض عبر بناء حاجز واق.
كنت شاهدة على المشهد التالي في حفل زواج صديقة من صديقاتي. قدّمت المأدبة وقت الظهر في قاعة ضخمة تتسع لأكثر من 600 ضيف. عزفت الفرقة الموسيقية الموسيقى بأسلوب هذا العصر، وكان يصعب على الضيوف التحادث بسبب الصوت العالي. كان بين الضيوف أم تحمل طفلة عمرها تسعة أشهر، كانت أيادي الأقارب تتناقلها من يد إلى يد لأن جميعهم كانوا يرغبون أن يحملوها. أحياناً كانت تضحك وأحياناً كانت تبكي باحثة بإحباط عن أمها، ولكن لم يكد صراخها يُسمع في هذه المعمعمة. وعندما تعبت، غرقت أخيراً في النوم بين ذراعي أحد الأقارب الذي وضعها على بعض المعاطف التي فرشها على الأرض قرب الحائط. وهكذا أخذت تفيق وتنام حتى الرابعة فجراً وقت انتهاء الحفلة.
وفيما كنا ننتظر السيارات سمعت الأم تشرح بفخر لصديقتها: «أرأيت مدى سعادة صغيرتي؟ لقد حضرت طفلتي حفلة راقصة»
أنا متأكدة، لو أن هذه الطفلة كانت قادرة على الكلام، للعنت أمها. الراشد الذي يريد الاستمتاع ينسى أحياناً حاجة طفله الذي عليه أن يبذل جهداً جباراً ليتكيّف مع الوضع. لو تذكرنا مدى الضجيج الذي على من يعيش منا في المدينة التعامل معه، لاستطعنا أن نتصور التغييرات والتحولات الضخمة التي على الصغير التعامل معها ليستطيع البقاء على قيد الحياة. في أي لحظة من اللحظات قد ترى الأب يشاهد الأخبار على التلفزيون والمراهق يغني وهو رافع صوت الراديو على مداه، والأم تشغّل الخلاّط الكهربائي في المطبخ وهي تهاتف أحداً ما، والولد الصغير يلعب مع رفيقه لعبة الإطفاء وصوت الصفارة تعلو مدوية. وفوق ذلك كله، تكون النوافذ مفتوحة والضجة آتية من الشارع.
عندما يعيش الطفل في بيئة مشبعة بالتحفيزات والأمور المثيرة للانتباه، سيحاول التقليل من إدراكه الحسي لحماية نفسه من هذا الواقع الذي يجعله متحجر القلب. وبعدئذ يصبح لامبالياً أي أنه يقرب نفسه من الحياة السلبية وأيضاً من الحياة الإيجابية بدون أن يميّز بينهما.
يساهم التلفزيون وحده بتحفيز كبير ففي بعض المنازل لا يطفأ هذا الجهاز لحظة. يصبح التلفزيون قريباً لا يسكت أبداً ولكنه بالنسبة للبعض هو أفضل من البقاء وحيداً. والذي يحدث أنه يصبح رفيقاً لا يعرف ولا يهتم بشيء يتعلق بآرائنا. إنه الضجة الحاضرة دائماً التي لا نستطيع العيش بدونها.والطفل، في هذه الحالة، ينشأ وهو نصف منوّم مغناطيسياً أمام هذا الجهاز أما أحلامه فيتسرّب إليها عدد كبير من صور شاشة التلفزيون هذا.
موقع التربية الذكية يشكر لكم متابعته