ابقوا متيقظين ولا تضيعوا فرصة فهم ما يحاول الطفل الصغير أن يستفسر عنه: فهو بالتأكيد سيطرح عليكم أسئلة (كماً كبيراً من الأسئلة!) إذا كان يملك القدرة على الكلام، وإلا فبإمكانه التحرك بكثرة، التصفيق بيديه، الإشارة بيده إلى ما يثير اهتمامه.
يتمثل دورنا كمربين في دعم هذا الاندفاع عبر التعبير اللفظي، وعبر تأمين بيئة آمنة ومناسبة من الناحية الجسدية والعاطفية، وبالطبع أن نصغي إليهم دائماً وأن نبني علاقة ثقة معهم.
بالتأكيد نحن لا نعرف بالضرورة كل الإجابات ومن الجيد ألا نعلق على كل شيء (فأطفالنا بطبيعتهم لديهم أسلوب غالباً ما قد يحرجنا…).
هناك طريقة أستخدمها دائماً: إذا كان السؤال محرجاً وأنتم لا تعرفون إجابته، اسألوا طفلكم عما يفكر به… ستجدون أن لديه تفسيراته الخاصة من لا شيء، مما يتيح لكم فهم رؤيته وتحليله الخاص.
يمكنكم بعد ذلك، بالطريقة التي تناسبكم، الموافقة على إجابته، أو إعادة تفسير الحقيقة، أو مناقشتها !
بالتالي ستعيدون استكشاف ما يثير اهتمام طفلكم وشغفه وتبدأون باستكشاف باقة ذكاءاته!
لا يتطلب هذا النشاط أي تحضير وهو غالياً كل ما يحتاجه طفلنا الصغير…
على سبيل المثال:
- ابنتي التي تبلغ 12 سنة من العمر تتمتع بليونة في جسدها وبحس إبداعي وفني. مما يتيح لها في الآونة الأخيرة ابتكار تصاميم رقص وتخيّل الأزياء والأكسسوارات والديكور لجعل قيمة لكل هذا (ما زالت صغيرة، إنها ترقص طيلة الوقت وتظهر خيالاً فائقاً في هذا المجال).
- ابنتي الثانية التي تبلغ من العمر 9 سنوات، تعشق الاعتناء بالحيوانات ومراقبتها (سرعان ما أظهرت اهتماماً حقيقياً باللعب بالتراب ومراقبة الديدان، والقواقع، والحيوانات الصغيرة الأخرى التي تصادفها خلال استكشافاتها).
- أما بالنسبة لطفلي الذي يبلغ من العمر 3 سنوات، فلديه منذ ولادته حس إيقاعي مذهل ! فهو ينجذب بشدة إلى الموسيقى بكافة أشكالها (أغاني الأطفال، الآلات الموسيقية). كل شيء يتحوّل في يده إلى أداة موسيقية (إيقاعية)..
بالتأكيد لدى هؤلاء الأطفال العديد من الإهتمامات الأخرى، ومع ذلك، فإن الخصائص التي ذكرتها للتو، تظهر مدى اختلافهم.
كل منهم ينمي مهارات قوية ويثبت شخصيته. والأمر مشابه بالنسبة لنا جميعاً… (باختصار، إنهم عباقرة كلٌ بطريقته الخاصة. وأنا أتحدث بموضوعية تماماً، أجل إنها الحقيقة! حتى لو كانوا أطفالي!).
يمتلك كل شخص باقة من الذكاءات التي تميزه وبعض “الأزهار” تظهر بوضوح أكثر من غيرها…
بالعودة إذاً إلى النظرية التي تتعلق بالذكاءات المتعددة لهوارد غاردنر، عالم النفس المعرفي في كلية الطب في بوسطن والباحث في تنمية القدرات المعرفية للإنسان .
عام 1983، عرّف الذكاء بأنه “القدرة على حل المشكلات أو إنتاج السلع بمختلف أشكالها، لها ضمن النطاق الواسع قيمة في سياق ثقافي أو جماعي محدد” (أطر العقل، هوارد غاردنر).
باختصار، فهو يتناقض مع النظرية التقليدية التي تقيس الذكاء بطريقة كمية، ومعدل الذكاء. ويضيف أنه ليس هناك ذكاء واحد، إنما مجموعة ذكاءات (وقد عرّف 8 فيما أضاف ياحثون آخرون من بعده نوعاً تاسعاً من الذكاء).
وبالتالي هناك لكل إنسان عند ولادته مجموعة من الذكاءات، يتطوّر كل نوع منها وفق الإيقاع الخاص به.
هذا التعدد في الذكاءات هو حقيقة معتمدة من خلال تصوير دماغنا.
إذا كان ظهور بعض الذكاءات يبدأ من سن مبكرة، يجب أن نؤكد: الذكاءات باختلاف أنواعها لا تتطور كلها على نفس المستوى، بشكل عام.
يذكر هوارد غاردنر أن بعض أنواع الذكاء تبدو أكثر انتشاراً في بيئات محددة. ويعيد ذلك إلى حقيقة أن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها هؤلاء الأفراد تخصص قيمة أكبر أو أقل لكل مهارة.
لذلك يميل الأشخاص إلى تطوير المهارات التي تحظى بسمعة جيدة ودعم في محيطهم. لذا نلاحظ غالباً أن هناك نوع أو اثنين يهيمنان أكثر من غيرهما من أنواع الذكاءات.
ينمي البعض ذكاءً قوياً بطريقة استثنائية، وهنا يجب أن نتحدث عن الحساسية، والقدرة، والموهبة؟
الذكاء الخارق الملفت جداً، في بيئة مواتية جداً، قد يصبح استثنائياً