كيف نقوم بتعليم أولادنا حسب نوع ذكائهم
من هو الشخص الأكثر ذكاءً؟
آينشتاين؟ موزار؟ شكسبير؟ زيدان؟ ماري كوري؟ محمد علي؟ ماري كلود بييتراغالا، آرثر رامبو؟ بابلو بيكاسو؟ الأم تيريزا؟…
للمقارنة، قد يكون علينا أن نطلب من زيدان أن يعزف لنا سيمفونية جميلة… أو من موزار أن يلعب كرة القدم.
كما بإمكاننا أن نتخيل أن ذكاء موزار الموسيقي لما كان قد وصل إلى هذا المستوى لو لم يكن والده هو نفسه موسيقياً، أي إن لم يكن غارقاً في الموسيقى إلى هذا الحد.
لم يعد السؤال إذاً إن كنا أذكياء أو لسنا كذلك، إنما السؤال هو أي نوعٍ من الذكاء نملك؟
بغض النظر عن الاهتمامات الكبرى المرتبطة بالثقافات المختلفة، يتمتع كل شخص بنوع ذكاء محدد.
هذا التوع من الذكاء كما رأينا ليس ثابتاً ويتغير بمرور الوقت ومن خلال التجارب.
حذر هوارد غاردنر منذ البداية من فكرة محاولة تحديد نوع ذكاء كل شخص. بعد أن حارب مفهوم ومبدأ اختبار الذكاء IQ، فهو ينصح بعدم محاولة تصنيف الناس. ومع ذلك، بدأت الاختبارات تظهر بسرعة كبيرة.
لطالما أكد هوارد غاردنر على عدم فعالية هذه الاختبارات، وشجع عوضاً عن ذلك المراقبة لمعرفة ما ستكون عليه الذكاءات المهيمنة لدى الفرد.
الإيمان بالطفل هو أمر مهم، مساعدته على الإيمان بنفسه أمر أساسي
منذ أكثر من نصف قرن قبل عاردنر، تحدثت ماريا مونتيسوري عن نفس الرؤية للإمكانات البشرية، وطوّرت نهجاً تعليمياً ذو طبيعة علمية مرتكزة على مراقبة الأطفال.
اكتشفت في البداية أن كل طفل يطوّر عدداً كبيراً من المهارات وأن البيئة المناسبة قادرة على تطوير هذه المهارات.
على الرغم من أنها لم تعتمد على أعمال غاردنر، إلا أنها قامت بعمل رائع عن طريق تطوير مادتها الشهيرة، التي تسمح في الحقيقة بتحفيز كل أنواع الذكاءات.
عبر مراقبة الأطفال، وتطوير طريقتها العلمية وإنشاء موادها التعليمية، يبدو أن ماريا موزنتيسوري قد فهمت بشكل حدسي “نظرية” أشكال الذكاء التي تحدث عنها غاردنر، والتي ستسمح البيئة المناسبة بتحفيزها وتنميتها.
فعلياً تحفز الأنشطة التعليمية التي طورتها للأطفال العمليات الأساسية لأشكال الذكاءات التي وصفها غاردنر.
من خلال مراجعة أساسيات مادة مونتيسوري بشكل سريع، يمكننا ملاحظة أن كل منها يسمح بتطوير على الأقل شكل من أشكال الذكاء.
بالتالي يصبح كل طفل قادراً على مقاربة النشاط وفق نوع الذكاء الأكثر طبيعية بالنسبة إليه، فيما يطور بشكل تدريجي الأنواع الأخرى الأقل أهمية أو طبيعية بالنسبة إليه.
وهكذا يمكن لنشاط رياضي أن يحفز المهارات المكانية واللغوية والحركية والشخصية والمتعلقة بالطبيعة والرياضية المنطقية في الوقت نفسه.
مثال آخر:
ترتبط تمارين الحياة العملية ارتباطاً وثيقاً بأساليب العمليات التي ترتكز على الحركة.
وبالنسبة لمادة الحياة الحسية فهي من الممكن أن تشمل قدرات معينة من الذكاء الحركي، المكاني، اللغوي والرياضي المنطقي والذكاء الشخصي.
أما ورشة عمل علم النبات فهي تتيح تحفيز مجموعة الذكاءات المتعلقة بالطبيعة، والعلمية واللغوية والمكانية والرياضية المنطقية والشخصية والمتعلقة بالعلاقات مع الآخرين.
قام كل من ماريا مونتيسوري وهوارد غاردنر بتحضير البيئة المناسبة لتطوير المهارات والقدرات البشرية.
رؤيتهما المشتركة وأعمالهما التي تكمل بعضها تسمح اليوم بالبدء بتطبيق ممارسات تربوية وتعليمية جديدة تحترم التنوع البشري وتعزز التطوير ككل لتنمية القدرات البشرية.
أكثر ما أقدره في هذه المقاربة حول الذكاء، هو أولاً الناحية التي تتعلق باحترام الجميع وتركيزها على القدرات وعلى المستقبل.
كل منا يتمتع بنقاط قوة، وكل منا باستطاعته أن يتطور ويتحسن من خلال العمل على قدراته.
هذا النهج أو هذه المقاربة تسمح بتخطي التعارض بين الرغبة بتعليم أطفالنا المواد بأي ثمن وبين أولئك الذين يقولون على سبيل المثال إنه إذا كان الطفل ناجحاً في الموسيقى فلا فائدة من تطوير قدراته وتعليمه في مجال الرياضيات.
فعلى العكس، بإمكاننا الحفاظ على مواهبنا القوية مع الاستمرار بتطوير المواهب الأقل تمثيلاً في باقة ذكاءاتنا.
باستطاعة كلٍ منا تطوير قدراته في مجالات مختلفة، المسارات هي التي تختلف فقط.
على سبيل المثال، أنواع الذكاء اللفظي والبصري والموسيقي كلها قوية لديّ.
هذا يعني إذاً أنني أتعلّم بشكل أفضل حين أحدد رسوماً بيانية أو خرائط ذهنية، أو أنني أستطيع أن أكتبها وأعيد قراءتها وأنا أغني.
هناك أشخاص آخرين يتعلمون أكثر عبر الحركة.. بغض النظر عما يتعلمونه!
بالنسبة للأطفال، الأمر أكثر وضوحاً! إليكم الطريقة التي أستطيع عبرها مساعدة أطفالي الثلاثة الذين عليهم تعلم جدول الضرب (على سبيل المثال 3×3):
- بالنسبة لابنتي التي تتمتع بذكاء جسدي/حركي قوي جداً، أقترح عليها أن تمثل جدول الضرب بجسدها عبر الرقص: (3×3) يمكن أن يتجسد مثلاً عبر التصفيق باليدين: 3 مرات إلى اليسار، 3 مرات إلى الوسط، 3 مرات إلى اليمين.
- بالنسبة لابنتي الثانية التي يسيطر الذكاء الطبيعي لديها، أطلب منها أن تقسم 3 قطع بسكويت للكلب لإعطائها له 3 مرات في اليوم.
- أما فيما يخص ابني الذي يتمتع بذكاء موسيقي/إيقاعي قيد التطور، فيمكنه (ليس الآن طبعاً، لكن في وقت لاحق) أن يغني أغاني الأطفال أو الراب أو أي نوع أغاني آخر!
في النهاية، سيصلون جميعاً إلى نفس النتيجة: سيتعلمون جدول الضرب. لكن كلاً منهم سلك مساراً مختلفاً يتناسب مع نوع الذكاء السائد لديه.
لذلك، كل هذا لا يجعلنا أكثر أو أقل ذكاءً، إنما يغير فقط الطريقة التي سنتعلم عبرها.
إن معرفة وفهم طريقة عمل الذكاءات المتعددة تسمح إذاً للآباء كما المعلمين بجعل طريقة تربيتهم متخصصة بحيث يمكن لكل طفل تطوير إمكاناته والحصول على متعة التعلم.
لتطوير موهبةٍ ما، من الضروري أن تتاح الفرصة لممارستها وتطبيقها وعرض نشاطات تستدعي ذكاءات مختلفة، كي يكتشف أي نوع من الذكاءات هو نوع الذكاء القوي لديه أو سيصبح كذلك لاحقاً.
من ثم التركيز على هذا الذكاء القوي لتطوير الذكاءات الأخرى (للأسف، نظامنا المدرسي لا يتضمن سوى الذكاء اللفظي/اللغوي والمنطقي/الرياضي.. كما أن المفهوم العام لمبدأ اختبار الذكاء ما زال راسخاً).
ومع ذلك، فإن الأطفال الذين يحصلون على فرصة اكتشاف وتطوير المفاهيم عبر نشاطات أكثر طبيعية بالنسبة إليهم، يصلون بشكل أسرع بكثير إلى نتائج!
مما يوضح لهم أنهم قادرون على تحقيق النجاح في شيء ما ويشجعهم على محاولة فهم هذه المفاهيم بواسطة نشاطات أخرى، وبالتالي تفعيل أنواع أخرى من الذكاء.
كذلك سيظهرون ثقةً أكبر بأنفسهم، وحافزاً أكبر ومشاركة أكثر نشاطاً…