قالت لي صديقتي مؤخراً: “عندما كنا صغاراً كان أبي وأمي يرسلاننا للعب صباحاً في الحي فلا نعود للمنزل حتى يحين موعد العشاء. ولكن الزمن تغير. أشعر أنه يتوجب علي وضع أطفالي تحت المراقبة دائماً. أتمنى أن يحظوا بالطفولة التي عشتها، لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا بحاجة للتأكد من أنهم في أمان.”
لقد تغير الزمن، وبالطبع نريد جميعًا حماية أطفالنا والتأكد من سلامتهم وصحتهم. تظهر الاشكاليّة عندما يحاول الأهل إزالة العقبات التي تعترض طريق أطفالهم، أو يحاولون التأكد من أن أطفالهم لن يتعرضوا أبدًا للألم أو خيبة الأمل أو للانزعاج. هنا يظهر الأهل الوقائيون الذين يفرطون في حماية أطفالهم.
ما هي مشكلة هؤلاء الأهل؟
القلق -على سلامة أطفالهم وسعادتهم وقدرتهم على المضي في العالم. يقضي الكثير منا نسبة كبيرة من الوقت في تخمين كل خطوة نتخذها كأهل. تدفعنا عقولنا لأن نعكس أسوأ مخاوفنا على أطفالنا -فنحن نحبهم كثيرًا ونريد حمايتهم من أي ضرر. مع مرور الوقت، يمكن أن نصبح يقظين للغاية لأي علامات تظهر وجود مشكلة في محاولة للحد من استمرارها. يمكن أن تصبح هذه اليقظة المستمرة أكبر من الحياة، لأننا نبدأ في تخيل أشياء لا ينبغي علينا تخيلها واسقاطها على أطفالنا.
إذا كان أطفالنا غير سعداء، فيمكن أن نبالغ في ردّات فعلنا ونحاول تلقائيًا جعلهم يشعرون بالرضا. إذا كانوا غير متأكدين من أمر، فقد نخطئ في الظن أن ذلك يدل على انعدام شعورهم بالأمان وقلة ثقتهم بأنفسهم، فنغمرهم بالثناء والتأكيد. نحن “نتوقع” النتائج السلبية عندما تنشط مخيلتنا. في الواقع، ثبت أن أدمغتنا موصولة بطريقة تجعل السلبيات تلتصق فيها بقوة، بينما تنزلق الإيجابيات . هنا يبدأ القلق. “هل طفلي بخير حقًا؟ هل هو عدواني جداً، هادئ جداً، صوته عالٍ جداً، طويل جداً، قصير جداً؟ وهل تظهر عليه علامات قلة الثقة بالنفس؟ هل يتصرف مثل أخي الذي كبر ليكون سلوكه غير سوي؟ هل أحتاج إلى إيلاء ابنتي المزيد من الاهتمام لأنني لم أحصل على ما يكفي منه عندما كنت طفلة؟ “
اسمعوا، لا أحد منا يريد “إفساد” أطفاله… لكن أفضل طريقة على الإطلاق لإفسادهم هي القلق باستمرار من ذلك! هذا هو المضحك المبكي. نريد أن نفعل كل شيء بشكل صحيح، ولكن عدم شعورنا بالأمان وخوفنا من فهم كل شيء بشكل خاطئ يجعلنا في بعض الأحيان نراقب أطفالنا عن قرب ونتعقبهم بحثًا عن الإشارات الأولى للمتاعب المتوقعة. إليكم هذه الحقيقة: عندما تتوقع شيئًا ما، فسيحدث. وعندما تحاول إصلاح ما يقلقك، فإنك توجده عن غير قصد. فكل متوقع آت، وهذا بالضبط ما يقود الأطفال إلى الشعور بعدم الثقة وعدم الأمان تجاه أنفسهم. غالبًا ما يعتقد الأطفال، “إذا كان والداي يقلقان عليّ، فلا بد أن هناك ما يدعو للقلق بشأني!”
“دوامة القلق”:
“دوامة القلق” هي الطريقة التي ينتقل بها القلق عبر العلاقات. فيما يلي سيناريو يشرح “دوامة القلق ” في علاقة الأم وطفلها:
كارين هي أم لولدين. إنها قلقة من أن تفسدهما ومن أن يكبرا وهم يفتقران للثقة بنفسيهما. إنها قلقة بشكل خاص على ابنها جاك البالغ من العمر 15 عامًا، فهو متمرد ويتصرف بوقاحة ولديه مشاكل مع السلطة.
وإنها “تبالغ في التركيز” بتوتر على جاك (لطالما فعلت ذلك) وتبحث عن علامات تشير إلى أنه يعاني من قلة ثقته بنفسه وقلة احترامه لذاته. كارين شديدة اليقظة تجاه أي علامة تدل على أنه ليس بخير -وعندما تشعر بأن مخاوفها في محلها، فهي إما تراقبه بهدوء وحذر وإما تحاول إصلاح الأمور له.
بعد سنوات من ذلك، أصبح جاك يعتمد على تركيزها وانتباهها. على الرغم من أنه لم يقل ذلك أبدًا، إلا أنه قلق من قلقها بشأنه ويعتمد على اهتمامها وتركيزها المستمرين عليه.
عندما كان مراهقًا، أصبح جاك قلقًا حيال نفسه و “يركز على الآخر” أيّ يعتمد على الاهتمام والتركيز من الآخرين لكي يشعر بأن له قيمة وهو النمط الذي تعلمه من علاقته بوالديه. بات يحتاج إلى “إثبات من شخص آخر” ليشعر بالرضا حيال نفسه في جميع علاقاته، ويشعر بعدم الثقة بنفسه إذا لم يحصل عليه. هذا هو بالضبط ما كانت والدته تخشى حدوثه وحاولت جاهدة منعه من خلال مراقبة ابنها عن كثب والتصرّف بشكل مبالغ فيه وإزالة العقبات من طريقه.
ماذا يمكننا أن نتعلّم من هذا السيناريو؟ توقفوا عن البحث عن دليل لإثبات قلقكم. أدركوا أن قلقكم يقف عائقاً في درب طفلكم.
ترقبوا في المقالة القادمة: حتى تكفوا عن القلق وتبتعدوا عن التصرف كأهل يفرطون في حماية أطفالهم: لا تفعلوا 6 أشياء