ان تكون راشدًا يعني ان تسامح والديك. – يوهان فولفغانغ فون غوته-
غالبًا ما يواجه الأولاد الذين لا يحبون اهلهم صعوبات في علاقاتهم العاطفية عندما يكبرون. وتدل لامبالاتهم على انهم غير قادرين على بناء الصداقات او العلاقات العاطفية التي قد توفر لهم الشعور بالإرتياح.
هناك توجه الى اعتبار ان الحب المتبادل بين الاطفال والاهل امر مسلّم به. إلا أنه ليس كذلك بالفعل. لأن بعض الاطفال لا يحبون اهلهم. وهذا لا يعتبر اضطراب، او دليل على تصرف غير طبيعي.
انه يدل ببساطة على واقع يحدث احيانًا.
ان فكرة ان الاطفال لا يحبون اهلهم لا يجب ان تؤخذ حرفيًّا. اذ ما لم يكن يوجد مانع او نقص ما، فالاطفال دائمًا مرتبطون بأهلهم عاطفيًأ.
رغم ذلك، قد يحدث احيانًا الّا تكون تلك المشاعر ايجابية. بل قد تكون مشاعر كراهية، واستياء، ولامبالاة.
عندما لا يبدو ان الاطفال يحبوناهلهم، يكون السبب عادة انه قد تم كبت او منع ذلك الحب. الحب موجود اذًا، ولكنه غير ظاهر او لا يتم التعبير عنه بطريقة صحيحة. كيف يحدث ذلك؟
تأثير تمثّل الطفل بأهله (المرآة)
ان احد اسباب كره الاطفال لأهلهم قد ينتج عن مرحلة تعرف باسم “المرآة”. ويحدث ذلك عندما لا يظهر الأهل حبهم لأطفالهم.
وبالتالي، يتعلم الاطفال ايضًا التصرف بالطريقة نفسها مع اهلهم.
في هذه الحالة، يؤدي عدم منحهم الحب الكافي الى الحد من نموهم العاطفي. ويقطع الاهل، عن قصد او غير قصد، علاقتهم بشكل جزئيّ مع طفلهم. اذ ينقلون الى طفلهم فكرة ان العلاقة بينهم يجب ان لا تكون عاطفية، وانما عملية وواقعية.
وفي هذه الحالة، من الممكن ألا يتعلم الطفل بناء علاقة مع الآخرين مبنية على عواطفه. وسيعطي مقابل ما يتلقاه: اللامبالاة. الأمر الذي يؤدي الى تعطيل جانب مهم من شخصيته.
في مثل هذه الحالة، الحب موجود ولكن تم كبته.
تأثير التخلي عن الطفل
ان السبب الآخر الذي يكمن وراء عدم حب الاطفال لأهلهم هو تخليهم عنهم. في حال التخلي التام، لا يعود هناك اي رابط بين الطرفين. وفي هذه الحالة، قد يلجأ الطفل إما الى تقدير او رفض الطرف الغائب.
الا ان التخلي لا يعني دائمًا ان احد الوالدين او كليهما غائب. بل قد يحدث ايضًا عندما يكون الوالدان حاضرين كلاهما ولكنهما لا يعيران الطفل اي اهتمام.
قد يوكلان مهمة تدريسه الى شخص آخر. وقد يحصل التخلي ايضًا عندما لا يقدم الأهل الدعم لطفلهم في اللحظات المهمة من حياته.
وفي هذه الحالة، من الممكن ان يعتقد الطفل ان والديه قد تخليا عنه في مرحلة مهمة من حياته. ولذلك لا يستطيع ان يعتمد عليهما ويبدأ بتوخي الحذر منهما والابتعاد عنهما.
ومع مرور الوقت، غالبًا ما يتحول ذلك الى كراهية او لامبالاة، وخاصة اذا كان التخلي مستمرًا.
تأثير شعور الطفل بأنه ضحية
في بعض الحالات، لا يحب الاطفال اهلهم لأنهم كانوا ضحية لهم. قد يحصل ذلك عادة في حالات تعرضهم للإعتداء، الذي قد يكون نفسياً، جسدياً، او جنسياً.
يسبب هذا النوع من الاحداث ضررًا كبيرًا للطفل. اذ يترك اثارًا تمنعه من بناء علاقة سليمة مع والديه. حين يتعلم الطفل ان يرى والده كمُعتدٍ، يولّد هذا الامر في نفسه الكراهية التي قد تكون ظاهرة او ضمنيّة. ويشعر الاطفال عادة باليأس والغضب.
وبعد ذلك، عندما يكبرون، تتحول تلك المشاعر الى شعور قوي بالرفض. وكثيرًا ما يضاف الى ذلك الشعور بالذنب.
يتعلم الانسان ان يحب انطلاقًا من العلاقة التي تربطه بالأشخاص الاساسيين الذين يقدمون الرعاية له. في الواقع، لا نستطيع ابدًا ان نقدم ما يكفي من الحب للطفل. فمع كل ابتسامة، او عناق، او تعبير عن اهتمام، يفسح الاهل المجال امام الطفل لكي يمضي قدمًا في الحياة.
ومما لا شك فيه ان الصمت، والابتعاد، وسوء المعاملة كلها تشكل عقبات حقيقية امام تقدم الطفل.