تعلق الطفل بالغرض المفضل:
قال جون بياجي، الذي عمل في مجال تطور الإدراك عند الأطفال: «على الأولاد القيام بتجاربهم وأبحاثهم الخاصة» وبالتالي «ليتمكن الطفل من فهم شيء ما عليه أن يبنيه بنفسه، عليه أن يعيد خلقه بنفسه».
برأيي، هذا يلخص كل شيء عن اللعب بشكل جميل. تذكري أن هذا عالم جديد بالنسبة لطفلك؛ فكل شيء جديد وبانتظار أن يتم اكتشافه. بإمكانك إخباره عن عالمه وبالتالي سيظهر له من خلال اهتمامك وانتباهك له أنك تحبينه، كما ستعلّمه حواراتك معه الكثير عن كيفية استخدام اللغة. ولكن لكي يفهم عالمه وليعرفه حق المعرفة، عليه اكتشافه بنفسه
يجب إتاحة الوقت والفرص له لينظم ويعيد تنظيم تجاربه، ولبتعلم تصرفات جديدة، ليعرف أي سلوك يجب أن يعتمده ومتى. دعيه أيضاً يدّعي أنه الشخص الذي يمكن أن يصبحه أم لا. هذا هو اللعب في الواقع.
اللعب والإبداع
لا يشكل اللعب أساس المعرفة الصحيحة فقط، بل هو أيضاً نبع الإبداع. عندما نقوم بوصف أشخاص مبدعين، نقول إنهم «يلعبون بالنظريات» وإنهم «يعبثون» بالأفكار. وبالتالي، فإن وضع أشياء مألوفة مع بعضها بطرقٍ جديدة، ومجدداً بوصف مختلف للعب، هو مظهر مهم من مظاهر الإبداع.
لن يميّز طفلك بين اللعب والتعلم، فهو سيتعلم دائماً شيئاً ما عبر اللعب، وطالما أنه لا يرغم على التفاعل مع ما يتلقاه بطريقة معينة، فكل الأشياء التي سيتعلمها ستبدو كأنها لعب. يُقرّ المعلمون الفطنون بصحة هذا الأمر، ليس فقط للأطفال الذين يُعدُّون لدخول المدرسة، بل أيضاً للأولاد الذين يرتادون المدرسة، وفي كافة المراحل التعليمية (وحتى للجامعيين)؛ فجميعنا يحتاج للعب في الكثير من الأوقات!
ربما بدأت الآن تعرفين لما بعض الألعاب مهمة أكثر من غيرها لطفلك. كلّما كانت اللعبة «جاهزة» لن يتعلم منها إلا القليل وسرعان ما يضجر منها؛ فهو لن يقوم بأكثر من الاستجابة لها بدلاً من استعمالها مع أشياء أخرى أو تشكيلها أو استخدامها بطرق مختلفة. لذا، رجاءً، اعطي طفلك أدوات بستطيع فعلاً اللعب بها! فبعض الثياب القديمة أو مجموعة من أدوات الرسم على الوجه أو مجموعة من قطع البناء البلاستيكية ستستحوذ على اهتمامه لوقت أطول وتتيح له تعلُّم الكثير، أكثر مما ستعلمه إياه آلة باهظة الثمن يشغلها بسهولة وينظر إليها بجمود.
في السنوات التي تسبق دخوله المدرسة، سيلعب طفلك بطرق مختلفة. لقد قمت بتحديد ستة أنواع رئيسية من اللعب. لن يلعب كل طفل بكل هذه الطرق الست، وهذه الأنواع لا ترسم بصورة واضحة معالم النمو. إلا أنك ستلاحظين دون شك تعلقه بغرض ما من أغراضها نسميه «الغرض المفضل».
اللعب «بغرضها المفضّل»
قد تلاحظين في فترة ما في نهاية سنته الثانية تعلُّق طفلك الكبير بغرض ما. قد تكون لعبة قماش أو قطعة من بطانية قديمة أو قطعة ثياب تخصك كقميص قديم مثلاً. إن شكل ولون وتركيب «البطانية» ستكون كلها ذات أهمية، وعلى الأخص إذا كانت تذكّره بسريره أو بك. وفي الحقيقة، سينزعج جداً إذا حاولت غسل ذلك الغرض أو ترتيبه أو تغييره بأي شكل من الأشكال.
سيساعد هذا «الغرض المفضّل»، طفلك أثناء مرحلة التأقلم الشائكة أي تلك التي ينتقل فيها من التعلق بالمربي إلى الاعتماد الكبير على نفسه. الإمساك بشيء مألوف يذكره بالأمان، سيبعث الهدوء في نفسه عندما يشعر بالخوف أو الضيق. إذا تعلق طفلك بشيء ما، لا يعني ذلك أنه لا يشعر بالأمان أو أنه لا يتأقلم كما يجب. إنها ببساطة طريقة يساعد بها الأطفال أنفسهم في خلال هذه المرحلة الصعبة من النمو. في الواقع، تشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يختارون مهناً على قدر من الإبداع، يرجح أنهم كانوا يملكون غرضاً مفضلاً مختلفاً عن باقي الأطفال، إلا أن هذا الدليل لا يزال غير مثبت. لكن بكل تأكيد ما من ضرر في أن يكون لديها غرض مفضّل.
إذا اختار طفلك «بطانية» أو دمية قماش مميزة، فعلى الأرجح سيأخذها معه أينما ذهب وسيهتم بها لوقت طويل. وحتى كمراهق ناشئ، قد يستعمل أحياناً غرضه المفضّل للشعور بالاطمئنان في أوقات يشعر بها بالضغط.
الأسباب وراء التعلق بالدمية
سيلجأ لغرضه المفضل لشتى الأسباب، فهو سينظر إليه غالباً كمصدر للراحة بكل تأكيد. ومن ناحية أخرى، قد يحاول تطمين «الغرض» نفسه (أو دميته). سيساعده فعل الاعتناء به على الشعور بالقوة والأهمية. وأحياناً سيعاقب غرضه المفضل «لشقاوته»، فربما بتلك الطريقة يبعد اللوم عنه عندما يدرك أنه فعل شيئاً خاطئاً أو ربما يفعل ذلك كمتنفّس للهروب من إخفاقاته في عدد من الأمور.
وهناك بديل مثير للاهتمام للغرض المفضّل هو «الصديق الخيالي». يميل الأطفال الأكبر سناً بقليل، أي بدءاً من عمر الأربع سنوات، إلى خلق شريك خيالي في اللعب. فالصديق الخيالي، كما الغرض المفضّل، سيفيد في الكثير من الأمور. سيحل محل الرفيق إذا كان طفلك يشعر بالوحدة. وربما يصبح «الضحية» حيث يتحمل اللوم على كل الأشياء السيئة التي يقوم هو بها، وهكذا يبقى عليه فقط أن يتلقى الثناء على إنجازاته وأعماله الجيدة. وقد يساعد «الأصدقاء الخياليون» الطفل في التغلب على مواقف معينة كولادة أخ أو أخت جديدة، لأن الصديق الخيالي يخصّه وحده. فيستطيع التحكم برد فعله على الانزعاج الذي يشعر به. يمكن أن يكون هذا مريحاً عندما تواجه مشكلة في التحكم بمشاعره الخاصة أو في فهمها.