كنتُ أمر بمرحلة صعبة جداً. اكتشفتُ أن ابنتي تعاني من اضطراب طيف التوحد. كان وضعي النفسي مزرياً وكنتُ أجهل تماماً ما عليّ فعله وكيفية التواصل معها. ضمن سلسلة زياراتنا إلى عيادات الأطباء، كنا ننتظر دور ابنتي في إحدى العيادات. وبدأت يارا بالصراخ والبكاء دون توقف. شعرتُ حينها أني عاجزة عن أي تصرف. كنتُ منهكة، منهكة جداً، عاجزة حقاً عن التفكير والتصرف.
كان هناك في المكان أخصائية تدرك كيفية التعامل مع أطفال يعانون من صعوبات تواصل كابنتي. عرفتني عن نفسها وسألتني إن كان بإمكانها التدخل. كنا بالكاد نسمع بعضنا من حدة صوت صراخ ابنتي. أجبتُها طبعاً.
انحنت عندها على ركبتيها على الفور، أمسكت بيدي ابنتي واقتربت منها بهدوء وغمرتها، وبدأت تغني إحدى أغاني الأطفال بصوتٍ منخفض جداً. كانت ابنتي يارا تحب هذه الأغنية كثيراً، بدأ صوت صراخها يخف تدريجياً إلى أن توقفت عن الصراخ، وبدأت تبتسم، لا بل بدأت تقلد حركات رقصة الأغنية كأن شيئاً لم يكن.
مرّ الموقف بسلام. شكرتها على تصرفها وتحدثنا قليلاً. فأخبرتني أن هذه الطريقة فعالة جداً، فعالة مع كل الأطفال وليس فقط أطفال التوحد، وفسّرت لي الخطوات على الشكل التالي:
لِمَ ننحني على ركبتينا إلى مستوى الطفل؟
حين يبدأ الطفل بالصراخ والبكاء فهو لن يفهم كلماتنا، لا بل أن الكلمات ستزيد من حدة توتره. إضافةً إلى أنه في هذه اللحظات يكون قد فقد الشعور بالأمان، والطفل أقصر منا كراشدين، سيشعر أنه صغير جداً في عالمِ مكتظ بالكبار ويزيد ذلك من توتره. أن ننزل إلى مستواه تصرف صغير مفاده باختصار “أنا هنا لأجلك”. عدى عن ذلك كله، فإن رؤية ملامح الوجه الهادئة تساهم في تهدئة الطفل في موقفٍ كهذا.
النظر في العينين
حين يخاف الطفل أو يقلق يتشتت تفكيره، وينظر في كل الإتجاهات باحثاً عما يطمئنه. للنظر في العينين أثرٌ كبير على نفس الطفل، سيشعر حينها أنه وجد بر النجاة أو خشبة الإنقاذ التي ستنقذه من بحر الخوف الذي يغرق فيه. ومن المحتمل أن يحتضنكم تلقائياً في هذه اللحظة.
الاحتضان
هي الخطوة الثانية وهي ضرورية كي يشعر الطفل بأن هناك مَن هو مستعد لاحتوائه واحتواء غضبه وحزنه وخوفه. مفادها باختصار هي أن يدرك بأن الأمور ستكون على ما يُرام.
الأغنية المفضلة للطفل
لها دورٌ رائع في تشتيت تفكير الطفل عما يقلقه، خاصةً إذا كنا في مكان لا يمكننا الخروج منه. فهو سيفكر تلقائياً في حركات رقصة الأغنية أو في مقطع الفيديو المرتبط بها. وسينسى ما كان يثير توتره ويهدأ. في هذه المرحلة آخر ما يجب أن تفكروا فيه هو ما سيقوله الناس عنكم، فمشاعر طفلكم يجب أن تكون أهم من كل شيء وفوق كل اعتبار.
منذ ذلك الحين وأنا أستخدم هذه التقنية مع إبنتي حين تتوتر من الأصوات أو الأضواء أو المؤثرات الحسية، وغالباً ما تنجح. وأستخدمها حالياً مع إبنتي الثانية التي تبلغ من العمر أربع سنوات، حين لا ينفع الكلام في الأماكن العامة، مع العلم أن نوبات غضبها أقل بكثير، لأنها قادرة على فهم كل ما أقول والتحدث معي حين يغضبها أمرٌ ما، وقد عوّدتُها أنني جاهزة دائماً للإصغاء إليها.
سماح خليفة