ها أنا أخفي الحقيقة على ابنتي مجدداً، وها هي لا تصدق كالمعتاد.
أخبرها بأن كل شيء يكون على ما يُرام. وأنا بالكاد أصدق أن يومي سيمضي على ما يُرام. هي لا تصدق كلماتي، هب لا تؤمن بالكلمات من الأساس، لغة ابنتي مختلفة. تستطيع أن تقرأ نظراتي، تحركاتي، انفعالي الهادئ، تستطيع أن ترى البركان الذي يشتعل داخلي رغم أنني ظاهرياً أبدو في قمة الهدوء، تستطيع أن تقرأ صمتي وتكشف كذبي.
ها هي لا تصدق، وتبدأ بالصراخ والتوتر والانفعال.
غريبةٌ هذه الطفلة. غريبةٌ قدرتها على ما لا يقدر عليه أقرب المقربين إليه. ما السر فيها؟ أهي أنا؟ أهي جزءٌ انفلق عن ذاتي؟ أهي نسختي المصغرة؟ مهما تصنعتُ من قوة، أجدني أمامها كمن يمشي عارياً وسط حشد من الناس، تكشف كل شيء، تسقط كل الأقنعة أمام نقاء قلبها ورقة نظراتها. تسقط كل الحسابات والمخططات، يسقط حتى المنطق. لابنتي منطقها الخاص، منطقٌ لا يشبه أحد سواها. متميزة هي، متفردة في كل شيء، في غضبها، في رفضها، في حزنها، في انفعالها، في سعادتها. كل شيء فيها حقيقي.
كم أهواها.. فهي خالية من كل ما أكرهه. خالية من المجاملات والتصنع الاجتماعي، خالية من النفاق. نقية، لا يلوثها محيطها مهما تبدّل، لأنها ترفض أن تشبهه، ترفض أن تشبه أحداً سوايَ. كم هي صادقة!
كل ما قلته لها هو “إهدأي سيكون كل شيء على ما يُرام” فازداد انفعالها لأنها تعلم أنني لا أٌقول ما أفكر فيه حقاً، لأن عيناي تنطقان بالعكس تماماً، لأن خوفي عليها يفيض من روحي ليُلامس روحها.
ثم غمرتُها وقلت، أحبك، فهدأت قليلاً وغمرتني بيديها الصغيرتين. كأنها تقول لي “الآن أصدقكِ، الآن أمي تقول الحقيقة”.
أتدركين أمراً؟ أشعر بالأمان حين نكون معاً… حين أخاف أو أتوتر أول ما أبحث عنه هو أنتِ. وآخر ما أفكر فيه هو أمي. حين أحتضنكِ تكونين أنتِ أمي وأمني وأماني. غريبةٌ هذه القوة التي تحملينها فيما يتهمونكِ بأنه ضعف، غريبةٌ هذه القدرة التي تجعل كل مخاوفي تتلاشى في غمرة طفل.
قالوا أنكِ مختلفة. نعم أنتِ مختلفة. مختلفة جداً، مختلفة حد الرقي والتميز. مختلفة حد جعلي أعيش ذاك الشعور الذي لم يكفِ جميع من حولي كي يجعلونني أشعر به.. الأمان.