إن التجارب المبكرة للطفل مع أمه وتكوين الارتباط العاطفي أمران مهمان جداً لنمو الطفل بشكل عام.
يبني الطفل نماذج تواصل داخلية وفقاً للتجارب التي يكتسبها في التفاعل مع أمه. تتضمن هذه التجارب معتقدات وتوقعات ومواقف وسلوكيات ومشاعر شخصية اتجاه نفسه واتجاه الآخرين. مما يعني أن الأطفال الذين يبنون نموذج ارتباط عاطفي آمن يكوّنون صورة عن أنفسهم كأشخاص يستحقون الحب والإهتمام وصورة عن الآخرين كأشخاص يمكنهم الوثوق بهم.
بينما الأطفال الذين تبنوا نموذج ارتباط عاطفي متناقض يكونون صورة سلبية سيئة عن أنفسهم وصورة إيجابية عن الآخرين. والأطفال الذين تبنوا نموذج ارتباط عاطفي متجنب يضعون دروعاً بينهم وبين الآخرين لتجنب الإصابة بالإحباط وخيبة الأمل، مما يخلق صورة دفاعية-إيجابية عن أنفسهم وصورة سلبية عن الآخرين.
ما أريد التركيز عليه، هو مراقبة الارتباط العاطفي عبر لعب الأطفال ولعب الأم أو الأب أو الشخص الوصي معهم.
منذ فترة طويلة، اكتشف الباحثون في هذا المجال أن الأطفال الآمنين يميلون أكثر إلى التصرف بطريقة مستقلة في تنظيم ألعابهم الخاصة، كما أنهم قادرون على استخدام الأشياء بمرونة ويمتلكون قدرة أكبر على التخيل.
ينعكس الاختلاف بين الأطفال الآمنين وغير الآمنين عبر نوعية طريقة اللعب. وبالتالي يبدو الأطفال الآمنون أكثر إصراراً وأكثر ميلاً للانخراط في لعبة منظمة حول هدف محدد.
ومن الأمور المهمة التي تم اكتشافها، أن اللعب عن طريق التمثيل لدى الأطفال الآمنين يصل إلى مراحل أطول وأكثر تعقيداً عندما تشارك الأم في اللعب، بينما لدى الأطفال غير الآمنين لا يكون للتفاعل مع الأم دور تحفيزي مماثل.
عام 1978، بدأت ماري آينسورث عملية تسمى “التواجد مع شخص غريب”. وهي تتم على النحو التالي:
- يدخل الطفل مع أمه إلى الغرفة
- يكتشف الطفل المكان وتتدخل الأم إذا لزم الأمر
- يدخل شخص غريب إلى الغرفة
- تترك الأم الطفل مع الشخص الغريب الذي لا يعرفه
- تعود الأم ويغادر الشخص الغريب بهدوء
- يبقى الطفل وحده في الغرفة، لأن الأم ترحل أيضاً
- يدخل شخص غريب إلى الغرفة ويبدأ بالتواصل مع الطفل
- تعود الأم، ويرحل الشخص الغريب بهدوء.
الأمر المهم في هذه العملية، هو سلوك الطفل اتجاه أمه خلال فترات عودتها، وفي المراحل التي سبقت والتي تلت عودتها.
تمكنت ماري آينسوورث عبر هذه التجربة عام 1978 من استنتاج 3 أشكال من التعلق العاطفي، وقد تمت إضافة نمط رابع لاحقاً.
الأطفال الذين تم تصنيفهم بالآمنين يعتبرون أمهاتهم كمصدر أمان أثناء الاستكشاف. ويسعون إلى التواصل معهن حين يشعرون بالاستياء. ومن ثم يعودون إلى الاستكشاف بعد حصولهم على الطمأنينة التي يحتاجون إليها.
في مراحل الابتعاد عن الأم، يصدر الأطفال المتعلقون بأمهاتهم بشكل قوي إشارات إلى أنهم يفتقدونهن. ويستعيدون الابتسامة عند عودة أمهاتهم ويكلمونهن ويلقون التحية عليهن.
بينما يبدأ الأطفال الذين تم تصنيفهم بالمتجنبين بالاستكشاف فوراً. يعبرون عن مشاعرهم بطريقة سيئة ولا يحاولون التواصل مع أمهاتهم للشعور بالأمان. وحين يصبح الطفل وحيداً لا تظهر عليه أي علامات قلق. ويتقبل الشخص الغريب بسهولة كشريك في اللعب. وعند عودة أمه، يتجنبها عبر الانشغال باللعب، ولا ينظر إليها ويركز غالباً على الألعاب.
وإذا حاولت الأم الإمساك به لجعله ينهض، فقد يتصلب أو ينحني على نفسه لتجنب التواصل معها.
بينما يظهر الأطفال الذين تم تصنيفهم ضمن المجموعة المتناقضة قلقاً واضحاً أثناء الدخول إلى الغرفة ولا يبدأون بالاستكشاف. وحين تغادر الأم، يحتجون بشدة. وعند عودة الأم قد تتناوب ردود الفعل في أغلب الأحيان بين محاولات تواصل ورفض. هؤلاء الأطفال لا يتمكنون من الحصول على الطمأنينة والأمان عند التواصل مع أمهاتهم.
يتم تصنيف الأطفال على أنهم غير منظمين إذا أظهروا سلسلة من أنماط السلوك المتعارضة مع بعضها. على سبيل المثال سلوك يعبر عن تعلق شديد يليه محاولة تجنب.
أو في حال ظهور سلوكيات متناقضة بشكل متتالٍ وحركات وتعابير غير موجهة، غير مكتملة ومقطوعة، وسلوك نمطي ووضعيات جسدية غير طبيعية، وتصلب وتأخر عن اللحاق بتحركات الأهل المباشرة، إضافةً إلى السلوك المشوش، والتقلبات العاطفية السريعة جداً… إلى آخره.
اقرأ أيضاً :
التعلق العاطفي: ما هو سر الحب الذي يربط الأم بطفلها؟