العلاج أمل:
كنتُ أتأمل صور ابنتي حين كانت صغيرة. واستوقفتني صورةً لها حين كانت تبلغ من العمر سنتين، في ذاك الوقت كانت ما زالت عاجزةً عن المشي. كنا نسندها على الجدار أو زاوية الأريكة كي نتمكن من تصويرها. ثم تذكرتُ ذاكَ اليوم المشؤوم.
حين زرتُ طبيب العظام وأخبرني أن ابنتي تحتاج إلى عملية تطويل أوتار لا يمكن القيام بها سوى بعد أن تبلغ 3 سنوات. وأن هذه العملية قد لا تنجح، وابنتي قد لا تمشي إطلاقاً. وقفتُ مذهولةُ لبضع دقائق، وسألتُه هل أنتَ متأكد؟ أنتَ حتى لم تجرِ لها صورة أشعة للقدم. فأجاب بمنتهى البرود “لستُ جديداً في هذا المجال. أنا أعلم ما أقول، لقد قابلتُ الكثير من الحالات المماثلة، وابنتكِ تعاني من تأخر في النمو. كان يجب أن تتوقعي هذا.”
خرجتُ ووضعتُها في عربة الأطفال التي كنتُ أركنها خارج العيادة، ومشيتُ في الطريق وأنا أجر العربة شاردة الذهن، لا أدري كم بكيتُ حينها، وكيف تمكنتُ من السيطرة على نفسي إلى أن وصلتُ إلى المنزل. ابنتي لن تمشي! ملاكي الصغير سيعيش مقعداً؟
ثم زرتُ طبيباً آخر وأجاب بأنه لا يستطيع أن يعطي تشخيصاً في هذا السن، يجب أن ننتظر.
دخلتُ في اكتئاب حاد، توقفتُ عن تناول الطعام كما يجب، توقفتُ عن التواصل مع أصدقائي وأهلي وحتى زوجي. كنتُ أنظر إليها كل يومٍ وهي تضحك وأبكي. إلى أن اتخذتُ قراراً بأن أتجاهل كل ما قاله الأطباء كأنه لم يكن. وأقنعتُ نفسي أن كل هذا هُراء. وأن ابنتي ستمشي حتماً. وأنني سأساعدها وسأدعمها بكل ما لدي من حبٍ وطاقة، وبأنها ستخطو خطوتها الأولى ذات يوم، وسأذهب إلى ذاك الطبيب المجرد من الأحاسيس وأخبره بأنه كاذب وغبي.
ذهبتُ إلى أخصائيي علاج فيزيائي وبدأت رحلة علاج ابنتي. واستمريتُ بتشجيعها على المشي، والتزمتُ بتعليمات الاخصائيين فيما يتعلق بالتمارين اليومية.
إلى أن حصلت معجزة إلهية حين كانت تبلغ عمر السنتين والنصف، وتركت ابنتي الأريكة التي تسند نفسها عليها وركضت نحوي. توقف الكون حينها في نظري، حملتُها وقبلتُها بجنون ثم شجعتُها على تكرار المحاولة وأنا أضحك وأصرخ كالمجنونة.
مشت ابنتي! صدق صوتُ قلبي، وكذبت تشخيصات الأطباء. وتعلّمتُ حينها أن نصف العلاج يتكوّن من الإيمان والأمل والنصف الآخر يتكوّن من الدعم والكثير من الحب.
ليت الأطباء الذين يشخصون بطريقة خاطئة ويحطمون آمال وقلوب المرضى وأهاليهم، يتعلمون أساليب وأسس وأخلاقيات التواصل مع الآخرين. فالطب قبل أن يكون مهنة هو عمل إنساني. وليتهم يعلمون جميعاً أن نصف العلاج أملٌ وإيمان. إن لم يكن العلاج بيدهم فليزرعوا الأمل في قلوب الناس. لا أحد يعلم الغيب، وأقدارنا جميعاً بيد الله وحده. ومتى شاء للأمر أن يكون سيكون، حتى لو كان هذا آخر ما يتوقعونه.
سماح خليفة