لا تنعته ولا تصنفه
حينما نسمع كلمات مثل: «أنت..» تخرج من شفاهنا، ينبغي لجرس الإنذار الداخلي أن ينذرنا بأننا نوشك أن نقول شيئاً سيصنّف أحدهم. الولد ينمو وهذا يعني أنه لا يعرف بعد هويته ومن يكون، وهو يعرّف عن نفسه بحسب ما يقوله الأهل والآخرون عنها. وبناء عليه، الولد الذي يسمع دائماً «أنت عدواني» أو «أنت تستغل الآخرين» أو «أنت متنمّر»، تجد أن هذه العبارات تخرج من عقله اللاواعي، لتجيب على سؤاله عن نفسه: «ألا تذكر أنك ذاك الشخص السيء الذي يضرب الأولاد» وعندئذ سيتساءل «من الشخص الذي سأؤذيه الآن؟
حتى أوضح هذه النقطة، سأطلب من الأهل أن يأتوا إلى إحدى ورشات التدريب التي أقوم بها وليجلبوا معهم ولداً ذكياً في السنة الثانية من عمره وليتركوه معي. وأنا عندها سأدأب على القول له: «أنت غبي، أبله». أتعرفون ما الذي سيحدث؟ أنا أضمن لكم أن هذا الولد سيتصرف عندما يصبح في الثالثة من عمره وكأنه شخص يعاني من قصور عقلي. فتكراري لتلك الكلمات سيقنعه بأنه كما أقول.
من المؤثر حقاً أن نرى قوة الكلمات التي، إذا ما كُرّرت، عززت وقوّت التصرف الذي نسعى إلى تغييره. عندما نكرر لفظة ما أو عبارة ما تتثبّت هذه الكلمات في العقل الباطني للولد. حينما نكرر على مسماع الولد مراراً وتكراراً النعوت ذاتها، يقتنع الولد أنه كما يقول الآخرون عنه.
نموذج يوضح لماذا عليك أن ” لا تنعته ولا تصنفه”
إذا راح المراهق مثلاً يسمع مراراً وتكراراً: «أنت تترك ثيابك هنا وهناك» أو «أنت لا توضب ثيابك أبداً» أو «أنت قذر» أو «غرفتك في حالة فوضى دائماً». فماذا ستكون النتيجة عندما سيشعر برغبة فجائية بترتيب أغراضه؟ عندئذ سيتذكر: «هل نسيتُ أنني ذاك الأخرق الذي يترك أغراضه هنا وهناك دائماً».
إذا استمرت الأم في القول لابنها الحالم الجانح الخيال: «لا أراك إلا شارد الذهن وعقلك دائماً في مكان آخر». «أنت تضيّع دائماً أغراضك، ولا تذكر أبداً أين وضعتها». «أتساءل ما الذي نسيته اليوم في المدرسة»، فإن كل جملة تعزز قلة انتباهه. عليك بدل توبيخه مساعدته على أن يكون أكثر حذراً، وسيكتشف الولد باللاوعي عنده: «أمي على حق! أنا دائماً شارد الذهن وسأبقى كذلك».
قد لا نصدق أننا بتأكيدنا على قصورهم وعيوبهم، نقنعهم بأن يكونوا كما لا نريد أن يكونوا عليه.
الواقع أن إلباسهم النعوت أشبه بإلباسهم سترة المساجين التي لن تدعهم يتحركون أبداً بحرية.ومهما حاول الولد أو المراهق أن يتخلص منها سيقع في فخها. مثلاً، عندما يُلقّب ولد بأنه سيء أو رهيب أو مثير للمشاكل، سيشعر بالخزي وسيتأذى بعمق. وعندما سيصبح راشداً سيحاول تحرير نفسه من هذه السمة التي وسم بها ولكن ذلك ليس سهلاً بل قد يحتاج إلى معالج نفسي لمساعدته على التخلص منها.
لا تنعته ولا تصنفه حتى بالصالح؟
أسأل غالباً أثناء ورشات التدريب التي أقوم بها: «أفهم أن أولادنا يتأذون عندما ننعتهم بأنهم سيئون ولكن ماذا عن نعتهم بأنهم «صالحون»؟». اللقب هو لقب، سواء أكان جيداً أم سيئاً، يعمل عمل سترة المساجين أو المجانين. فحينما نصنّف الولد على أنه شخص جيد صالح وأن ليس بإمكانه أن يكون غير ذلك فنحن سنقيده أيضاً. أتعرف كم هو مضجر أن تكون صالحاً دائماً حيث لا تعطي نفسك أبداً فرصة أن تكون مؤذياً أو تقوم بالحيل أو ترتكب أي خطأ؟
الولد الصالح دائماً هو ولد مضغوط نفسياً، والمطلوب منه هو إحراز المستحيل: الكمال. حياته ملأى بالقلق والخوف من ألا يقدر على تحقيق توقعاتنا منه. ليس مسموحاً له أن يستمتع بالحياة أو التنعم بحرية أن يكون طفلاً أو ولداً يمكنه ارتكاب الأغلاط. وحتى يعتقد الولد، كما أشرنا سابقاً، أنه شخص محبوب فعلياً، يحتاج أن يحس بأنه شخص مقبول بحسناته وسيئاته، بخصاله الساحرة وبخصاله التي تقودنا إلى اليأس. إنه بحاجة أن يعرف أننا نحبه كما هو وليس من أجل الصورة النموذجية التي نرسمها له.