أسوأ خطأ تربوي:
كانت ابنتي راما ذات الأربع سنوات تحاول الاهتمام بأختها الصغرى التي تبلغ من العمر سنةً ونصف، تركض خلفها وتلاعبها وتغني لها وتغمرها. فلطالما أخبرتها أنها يجب أن تكون أختاً جيدة وأن أختها الصغيرة تحبها كثيراً وتحب اللعب معها. إلى أن دفعتها نور الصغيرة وأوقعتها.. وكردة فعلٍ تلقائية، قامت راما بدفع أختها أيضاً.
اقتربتً منها كي أستدرك الموقف، لكن سرعان ما صرخ والدها بصوتٍ مرتفع “راما، تعالي إلى هنا!”. اختبأت راما خلفي مرتبكةً، فقد عرفت أن والدها سيوبخها. حاولتُ أن أشير له بصمت كي يهدأ قليلاً. لكنه لم يقتنع. فهو لا يرى الأمور من نفس المنظور الذي أراه. كل ما لاحظه أن راما ضربت أختها الصغرى. فصرخ مجدداً “راما ألم أطلب منكِ أن تأتي؟ هيا تعالي إلى هنا فوراً!”.. فبدأت صغيرتي تبكي وترتجف خلفي. كانت عاجزة حتى عن تبرير ما فعلته وإخباره أن أختها هي مَن دفعتها أولاً. ربما كل ما كانت تفكر فيه حينها أن والدها يحب أختها أكثر منها.
اضطررتُ حينها إلى أن أتكلم أمامها وطلبتُ منه أن يهدأ قليلاً علنا نتحدث في الأمر بعد قليل. انفعل طبعاً لأنني تدخلتُ في طريقة تربيته لابنته. ولأنني لم أجبرها على أن ترد عليه.
فطلبتُ منها الدخول إلى غرفتها قليلاً بعد أن هدأت. وبدأتُ بتفسير سبب تصرفي هذا له بالطريقة الأقرب إلى تفكيره.
“أتذكر ذاك اليوم حين انفعل عليكَ مديركَ لأنكَ قمتَ بخطأٍ واحد، خطأ واحد فقط جعله يغضب منك. فيما لم يلاحظ كل إنجازاتك خلال السنة ولم يهنئكَ على أي نجاح أو تقدم؟ هذا ما تفعله أنتَ الآن..”.
فسأل “ماذا تقصدين؟”
فأجبته “ألم تلاحظ أن راما كانت تحاول طيلة اليوم لفت انتباهنا. تناولت الطعام على المائدة وأكملت الطبق المخصص لها بهدوء. أعادت الألعاب إلى مكانها حين انتهت من اللعب. ساعدتني في ترتيب غرفتها. وها هي تحاول الاهتمام بأختها كما علّمتًها. تجاهلتَ كل هذا وانفعلتَ عند أول خطأ ارتكبته..
أتدرك ما الذي يدفعها إلى التصرف بهذه الطريقة؟ هي تشعر بالغيرة، وتود أن تظهر أنها طفلة مثالية كي نظهر لها محبتنا وتقديرنا. وكل ما تحاول أن تفعله أنتَ هو أن توبخها عند أول خطأ، حتى أنكِ لم تلاحظ أن أختها الصغرى هي مَن دفعتها أولاً. بهذه الطريقة ستخلق شرخاً بين الأختين، وستجعل غيرتها تزداد. كل ما كانت تحاول فعله فعلياً هو الاهتمام بأختها، ما حصل كان دون قصد، لا يستحق الأمر أن تعاملها بهذه القسوة”
فعرف ما أقصد ودخل بعد برهة إلى غرفتها كي يتحدث إليها بهدوء..
من أسوأ الأخطاء التي نرتكبها في تربية أطفالنا، التركيز فقط على سلبياتهم وتجاهل الأمور الجيدة التي يقومون بها. أطفالنا يحتاجون إلى الدعم كي يتقدموا وينموا بطريقة صحية عقلياً ونفسياً. يحتاجون إلى الثناء على جهودهم حين يتصرفون بطريقة إيجابية، وتوجيههم بهدوء حين يخطئون. والأهم من ذلك كله تفهم مشاعرهم والتأكيد لهم باستمرار أن حبنا لهم لا قيد له ولا شرط، كي لا يفقدوا الشعور بالأمان وتتزايد في قلوبهم مساحة الشعور بالنقص العاطفي.