لا تنجبيهم “ورا بعض”.. لن يربوا بعضهم!!!!

0

انجاب الأطفال وراء بعضهم: أنظر إلى أطفالي الثلاث في حيرة، مَن منهم أحمل أولاً؟ مَن منهم أطعم أولاً؟ مَن منهم أحمم أولاً؟ هذا من ناحية الاحتياجات الأساسية. أما عن الناحية العاطفية فتراودني الأسئلة التالية، بمَن منهم أهتم أكثر؟ مع مَن منهم أجلس أكثر؟ ومَن منهم أحق بالوقت والمجهود؟ إنها الحياة اليومية لأم أنجبتهم “ورا بعض”. فبين كل طفل وآخر حوالي السنتين لا أكثر.

لم أكن أعلم أن الأمر سيكون بهذه الصعوبة، لم أكن أتخيّل الماراثون الذي سأعيش فيه، وحجم الشعور بالذنب الذي سأعاني منه يومياً. كلا، الأمر ليس كما يصفونه أبداً، الأمر ليس كما نسمع من أجدادنا، وكلا لا تنجبيهم “ورا بعض”.. لن يربوا بعضهم!!!!

إليكِ الأسباب التي يجب أن تجعلكِ وزوجكِ تفكران ألف مرة قبل اتخاذ خطوة مماثلة:
لستِ شخصاً خارقاً.. لن تتمكني من السيطرة على الوضع.. عن تجربة!!

كنتُ شخصاً هادئاً جداً، مسالماً جداً، لم يكن بعلو صوتي لأي سببٍ من الأسباب. كنتُ أحل كل مشاكلي بمنتهى الحكمة والتروي والهدوء. مع أول طفلة استمر الأمر على ما هو عليه. حتى أن الأشخاص المقربين من عائلتي وعائلة زوجي كانوا يصفونني ب”الباردة” لكثرة ما أتعامل مع طفلتي بتفهم وحب. مع ولادة الطفلة الثانية، بدأت نبرة صوتي ترتفع شيئاً فشيئاً، بدأتُ أنفعل دون أن أشعر وأغضب ثم أندم. ودخلتُ في دوامة الشعور بالذنب قليلاً. ومع الثالثة، أصبح الأمر كارثياً. تحوّلت!! نعم تحوّلت. تحولت إلى شخصٍ لا أعرفه، أغضب بسرعة، أنفعل بسرعة لأسباب تافهة، لم يعد لدي الصبر على سماع قصص طفلتي الوسطى المفصلة، ولا الوقت لتلبية كل متطلباتهن، ولا الطاقة الكافية لإمدادهم بما يستحقنه من حب واهتمام.

Indoor shot of three little children in basket woven chair, playing game and telling each other fairy tales: funny blonde boy sitting between his two friends. Childhood, happiness and fun concept
لَن تعدلي!

يُقال إن الرجال لن يتمكنوا من أن يعدلوا إن تزوجوا أكثر من امرأة. الأمر ينطبق على الأطفال، خاصةً إن أنجبتهم في أعمار متقاربة جداً. لَن تعدلي.. لَن تعدلي في الحب، لَن تعدلي في الاهتمام، لَن تعدلي في التركيز على متطلباتهم، لن تعدلي في الوقت، لن تعدلي في المجهود، ولن تعدلي في الإنفاق المالي..
سيكون هناك دائماً تقصير في مكانٍ ما. تخيلي معي طفلة تبلغ من العمر سنتين تبكي لأنها تريد أن تغفو في حضنكِ، وطفلة أخرى تبكي في نفس الوقت لأنها بحاجة إلى الرضاعة، وطفلة أخرى تبلغ من العمر أربع سنوات تشعر بالغيرة لأنكِ حملتِ أختها ولم تحمليها وتعبر عن غيرتها بالزن والبكاء أيضاً. ستختارين حتماً الأصغر سناً لأنها الأكثر ضعفاً.. وستهملين الباقين. عدا عن أن ردة فعلكِ ستكون تلقائياً الصراخ والتذمر.. ثلاث أطفال يبكون معاً أمرٌ لا يمكن لأي شخصٍ أن يتمكن من تحمله والتصرف بحكمة وعقلانية. حسناً، ربما في هذا الأمر ستعدلين.. ستعدلين بالانفعال عليهم جميعاً، ومن ثم البكاء لأنكِ كنتِ أسوأ أمٍ في الوجود. هذا ما أفعله معظم الأحيان مع الأسف…

شعوركِ بالذنب سيقتلكِ

سينتج عن كل ذلك شعورٌ قاتلٌ بالذنب. “لِمَ لم أكن أكثر صبراً معهم اليوم؟ لِمَ لم أستمع إلى ابنتي أكثر؟ ولِمَ لم أتمكن من الاهتمام بابنتي الصغرى كما يجب؟ لِمَ لم أكرّس المزيد من الوقت لنشاطات ابنتي الكبرى المدرسية؟”. ستجلسين مساءً تتأملين وجوههم الملائكية وهم نائمين، وتتذكرين كل تصرف سيء قمتِ به، وكل طلبٍ طلبوه ولم تتمكني من تلبيته، وكل لحظة إهمالٍ بحق كلٍ منهم. وصدقيني.. هذا الشعور مؤلم، مؤلم جداً.. حتى أنني أحياناً أتمنى لو بإمكاني إيقاظ طفلتي مجدداً كي ألعب معها لعبتها المفضلة، أو غمر طفلتي الأخرى لأنني امتنعتُ عن ذلك أثناء استيقاظها لضيق الوقت. هذا الشعور قاتل، لا تستهيني به.

الناحية العاطفية

فكري ألف مرة قبل اتخاذ خطوة مماثلة. الأمر ليس سهلاً، خاصة من الناحية العاطفية. في الماضي لم يكن هناك تركيز كبير على الناحية العاطفية للأطفال. إلا أن الدراسات والأبحاث قد أثبتت أن معظم مشاكلنا اليوم تعود إلى نقص عاطفي مررنا به في طفولتنا. أطفالنا أمانة تحتاج إلى الكثير من العناية.
هذا ناهيكِ عن عدم قدرتكِ على تخصيص وقتٍ لكِ أو لزوجكِ، وعن حياتكِ الإجتماعية التي ستتلاشى، وعن المشاكل المادية. لا يُقصد بهذا المقال إحباط الأمهات أو التحدث عن الإنجاب بطريقة سلبية، لكنها مسؤولية كبيرة جداً، تحتاج إلى الكثير من الترتيبات المسبقة والتخطيط.

سماح خليفة

اترك رد