“خالتي أيضاً أمي الأخرى في منزل جدتي”.
جلست بالقرب من الباب، يداها مكتفتان، عاقدةً حاجبيها ومكررة نفس الجملة بإصرار “أريد أن أذهب إلى منزل خالتي!”. قدمتُ لها كل المغريات الموجودة في كوكب دماغ الأطفال الصغير “سنلعب معاً، سأروي لكِ قصة، سنلون ونرسم معاً..”. لكنها لم توافق على البقاء معي. فسألتها باستغراب “لِمَ لا تريدين البقاء مع ماما؟”. أجابت “أريد أن أذهب لأرى خالتي، خالتي أيضاً ماما”. ظننتُ أنني لم أسمع جيداً، فطلبتُ منها تكرار الجملة، فكررت “خالتي أيضاً أمي هناك، في منزل جدتي”.
حسناً أقنعتني تلك المشاغبة الصغيرة، واصطحبتها لزيارة خالتها العزيزة. وكنتُ أفكر طيلة الطريق في تلك الجملة الغريبة البريئة الواقعية جداً التي قالتها طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات.
الخالة تحمل فعلاً قلب أم، وأكثر
أميرتي هي الطفلة الثانية، يليها طفلة صغيرة تبلغ من العمر سنتين. غالباً ما كنتُ أنشغل عنها دون قصد. فتجد تعويضاً من الناحية العاطفية بين أحضان خالتها. حين تغضبتي ونبدأ بالمجادلة، تنهمر دموعها بسرعة وتقول “أريد خالتي”. هي البديل العاطفي المباشر لقلب الأم بالنسبة لها. هي ذاك الشخص الذي يحب بصدق وجنون دون أي مقابل.
الخالة هي محامي الدفاع الأول عن حقوق ابن أو ابنة الأخت
لطالما ذكرتني أختي بأمور تتعلق بأميرتي نسيتها دون قصد بسبب كثرة المسؤوليات المتراكمة على عاتقي. “لا تنسي أن تسأليها عن يومها في المدرسة؟ لا تنسي أن تروي لها قصة كما وعدتِها؟ ولا تنسي أن تشتري لها نفس لعبة أختها كي لا تغار؟ لقد انشغلتِ عنها كثيراً، حاولي أن تقضي بعض الوقت معها! لا تنفعلي وتصرخي بوجهها هكذا، هي تتصرف بهذه الطريقة لأنها تشعر بالغيرة!”.
الخالة هي الصديقة المخلصة في كل الظروف
ما زلتُ أذكر حين وبختُ أميرتي لأنها دفعت أختها الصغيرة، فطلبت مني باكيةً أن أتصل بخالتها اتصالاً مع صورة (فيديو كول)، فأخبرتها أنها في العمل الآن. فأجابت بمنتهى الثقة “خالتي هنا لأجلي في أي وقت، هكذا قالت لي”.
اتصلتُ بها وأعطيتها الهاتف، فبدأت تخبرها بما قمتُ به بطريقتها الطفولية “أنا ضربتُ نايا، لأن ماما لعبت معها وتركت أميرة لوحدها. ونايا تبكي كثيراً وهي مزعجة. ماما وبختني. تعالي خذيني إلى منزلكِ”.
احترتُ حينها أأبكي أم أضحك أم أغمرها وأتنازل عن موقفي. هؤلاء الأطفال الصغار يتلاعبون بعواطفنا بمنتهى العفوية. ونقف نحن حائرين أمام جبروت براءتهم وعظمة تأثيرها على قلوبنا.
كانت تخبر تلك التفاصيل، التي لم يسمح لها كبرياؤها أن تخبرني بها، لخالتها بئر أسرارها وصديقتها المقربة. أضحكني أكثر شكل أختي وتهي ضع سماعات الهاتف في مكتبها والموظفون يحضرون الأوراق ويتناقشون بشؤون العمل، وهي تحاول حل مشكلة ابنتي العظيمة دون أدني تعبير عن انشغال أو عدم اهتمام.
كنتُ أتساءل بفضول. من أين تأتي أختي بكل هذا اللطف مع صغيرتي؟ أتشاجر وأختي يومياً أكثر من 3 مرات بسبب أسلوبها المباشر والصريح أكثر من اللازم معي. كيف تتحوّل هكذا مع أميرتي. ما أغرب وأجمل قلب الخالة.
غرفة الخالة معرض فني لأولاد الأخت، والمكان الذي يسمح فيه بكل ممنوع
في غرفة أختي درج مخصص للحلويات والرشاوي. وعلى جدران غرفتها لوحات ابنتي الغريبة المعلقة تعبر عن الوقت الممتع الذي قضياه معاً في الرسم والتلوين. أما في الخزانة الصغيرة، فهناك مكان مخصص لعدة التجميل المخصصة لأميرتي، لوضع الماكياج وطلاء الأظافر وتصفيف الشعر. لطالما وجدتهما يرقصان معاً على جميع أنواع الموسيقى والأغاني ويضحكان هناك.
فعلاً، لا قلب يشبه قلب الخالة، هي تحمل حنان الأم في جسد أختها. يكفيني شعوراً بالاطمئنان أن أعلم أنها تعتني بهذا الحب بأطفالي حين أكون مشغولة بمشاكل مادية أو تتعلق بصحة أحد أطفالي، وحين يحاصرني التوتر مسترجعةً ذكريات والدي المتوفي لبعض الوقت. في تلك اللحظات أفقد الاتصال بالواقع، ومع الأسف أبتعد لأيام عن محيطي وعن أطفالي دون قصد. وفي تلك اللحظات تقترب أختي وتدعمني في الاهتمام بهم بكل حب.
سماح خليفه