كسر ثقة الطفل بوالديه:
كانت تمسك بيدي أثناء عودتنا إلى المنزل، وفي اليد الأخرى تمسك الهاتف وتشاهد صورنا معاً في المدرسة في حفلة عيد الأم. فقلتُ لها بهدوء “أميرتي، اتركي الهاتف الآن وانظري أمامكِ كي لا تقعي وتتعرضي للأذى”. نظرت إليّ وقالت بمنتهى الثقة بصوتها الطفولي اللطيف “أمي أنتِ هنا، ستخبئينني في قلبك، طبعاً لن أقع”.
شعرتُ بفخرٍ كبير وبمسؤولية كبيرة أيضاً. ألهذه الدرجة تثق بي طفلتي؟ هي جملة صغيرة لكنها عبرت من خلالها عن الكثير من المعاني الجميلة.
لهذه الدرجة يثق بنا أطفالنا. لهذه الدرجة نشكل بالنسبة إليهم مصدر أمان وملجأ من كل خوفٍ أو ألم. وعلى الرغم من ذلك، هذه الثقة يمكن أن تُكسَر شيئاً فشيئاً إذا كنا نقوم ببعض الأمور التي تؤدي إلي تغيير نظرة أطفالنا اتجاهنا. فما هي الأمور التي تؤدي إلى كسر ثقة الطفل بأمه وأبيه، وكيف يمكن تجنبها، هذا ما ستتعرفون عليه في هذا المقال.
الخطأ الأول: عدم الالتزام بالوعود
تلزمنا بعض المواقف أو الظروف أحياناً أن ننكث ببعض الوعود دون قصد. إلا أننا هنا لا نقصد المواقف الاستثنائية. بل تلك الوعود الصغيرة التي يراها طفلكم عظيمة جداً وتنكثون بها كل يوم.
“عزيزي سألعب معك حين أنتهي من تنظيف المنزل”. ثم يمر الوقت وتنسين.
“صغيرتي سأروي لكِ قصة جميلة غداً قبل أن تنامي”. تنشغلين وتنسين.
“طفلي البطل، سأصطحبكَ لنلعب كرة القدم معاً في عطلة نهاية الأسبوع.” ثم تنشغل وتنسى.
أتدركون أن هذه الوعود الصغيرة التي لا تعنيكم مطلقاً تشكل بالنسبة لأطفالكم أهميةً كبرى؟ وهم ينتظرون تلك القصة أو تنفيذ ذاك الوعد باللعب معهم بشغف وحماس ويفكرون بتفاصيل اللحظات التي ستجمعكم قبل حدوثها؟ لا تستخفوا بمدى تأثير نكث الوعود بشكل مستمر على أطفالكم. لأن ذلك سيؤدي إلى جعلهم يفقدون الثقة بكم مع مرور الوقت.
الخطأ الثاني: إفشاء أسراره
إذا أخبرتكِ ابنتكِ او ابنكِ قصةً محرجة حصلت معها أو أمراً تعتبره سراً، لا داعي لأن تعرف الجارة والخالة وجميع أفراد الأسرة. قد يجعل ذلك أبنتكِ أو ابنكِ يتوقفان عن اعتباركِ مرجعاً لهما حين يتعرضان لمشكلة أو موقف ما. من المهم أن تكوني أنتِ ووالدها مصدر ثقة، كي لا تضطر إلى اللجوء لأشخاص آخرين قد لا يكونون أهلاً للثقة.
الخطأ الثالث: “سأخبر معلمتك/والدك بما فعلته”
ليس مطلوباً من أطفالكم أن يلتزموا بالقواعد خوفاً من أن تخبروا شخصاً آخر ذو سلطة. بل يجب أن تُبنى بينكما علاقة ثقة واحترام، ومنها ستغرس المبادئ الإيجابية والقيم في شخصياتهم. تهديدك لطفلكِ بانكِ ستخبرين شخصاً آخر بخطأ ارتكبه سيهدم تلك الثقة حتماً. إياكِ واستخدام هذه الطريقة، لأنها ستؤدي إلى نتيجة عكسية وستدمر العلاقة بينكما.
الخطأ الرابع: التحدث عن أخطائه أمام الآخرين
إحراج طفلكم والتحدث عن أخطائه أو معاقبته أمام الآخرين، سيجعله يفقد الثقة بكم. يجب أن تحل المشاكل بينكم وبين أطفالكم فيما بينكم فحسب. يكفي التحدث عن المشكلة بوضوح وشرح خطورة أو مدى سوء ما قام به طفلكم له، وإخباره عن مشاعركم ومدى استيائكم وأن تطلبوا منه عدم تكرار ذلك مجدداً. بعد ذلك يُنصح بعدم التحدث عن الحادثة وعدم تذكيره باستمرار بما حصل، خاصة في وجود أشخاص آخرين!
الخطأ الخامس: التحدث عن طفلكم بسخرية واستخفاف
“لقد كانت تبكي طيلة اليوم، كم هي مزعجة”.. “هو بالكاد يتمكن من الإمساك بالقلم جيداً، كيف لهم ان يطلبوا منه تنفيذ كل هذه الواجبات المدرسية؟”.. بهذه الطريقة أنتِ تنسفين ثقة الطفل بنفسه وحتماً ثقته بكِ. أنتما بالذات لا يحق لكما أن تستخفا بقدرات أطفالكم، كونكما تشكلان مصدر الدعم الأساسي له. كما أن الأطفال كائنات حساسة بطبيعتها.
ما زلتُ أذكر ردة فعل ابنتي حين كنتُ أخبر خالتها عن موقف طريفٍ قامت به. ثم سرعان ما لاحظتُ أن صغيرتي حزينة بعض الشيء، فسألتُها عن سبب ذلك وأجابت بانفعال وهي تكتف يديها “لقد كنتما تضحكان عليّ”. فسرتُ لها حينها أننا نضحك لأنها تصرفت بذكاء في ذاك الموقف مما جعلني فخورة بها ولذلك ماما تخبر الجميع عما قامت به ابنتها الذكية البطلة.
لقد بذلتُ جهداً كبيراً كي أبني علاقة ثقة وتفاهم بيني وبين ابنتي. كنتُ دائماً أبرر وأفسر لها سبب تأجيل أو إلغاء تنفيذ أي وعد، وأحرص على احترام مشاعرها والتحدث إليها باحترام تماماً كأنها شخص راشد. وها هي النتيجة تظهر في كلماتها وتصرفاتها على الرغم من صغر سنها.
احرصوا على عدم كسر هذه الثقة. ستكون قارب النجاة والركيزة الأساسية لنجاح علاقتكم مع طفلكم المراهق وابنكم الراشد فيما بعد، حين تفقدون القدرة على السيطرة على الأمور بطريقة مبدأ الثواب والعقاب.
سماح خليفة