فشل الأمهات
لا تجعلي أطفالكِ بدفعون ثمن فشلكِ!
أتذكر عبارات أمي ذاك اليوم وأبتسم: “اتركي الأطباق ستكسرينها، مَن طلب منكِ أن تساعديني، أنظري إلى الماء المتناثر في كل مكان. يا إلهي! سأضطر إلى تنظيف المطبخ كله الآن. لم يعد لدي طاقة لتحمل كل هذا. لماذا تحصل كل هذه الأمور معي. لم أعد أستطيع تحمل المزيد!”.
وقفتُ حينها أنظر إليها بصمت، كنتُ أبلغ من العمر 5 سنوات.. كانت عبارات كثيرة على مستوى إدراكي في ذاك الوقت.. وكبيرة على أفكاري الطفولية البريئة. كل ما كنتُ أريده هو أن أساعد أمي لأنها تشعر دائماً بالتعب، أنا أحبها كثيراً، كل ما كنتُ أتمناه حقاً هو أن أراها تبتسم. لم أفهم سبب انفعالها. كل ما فهمته حينها أنني زدتُ الأمر سوءً وأنني طفلة سيئة جداً وفاشلة، وازداد شعوري بالذنب لكوني أرى نفسي عبئاً على والدتي منذ البداية.
وجلستُ في زاوية غرفتي أبكي دون أن تعلم، طبعاً لا يجب أن تعلم. كيف لي أن أحملها المزيد من الحزن والقلق والمشاكل؟ يكفيها العبء الذي تحمله على عاتقها والمهام اللامتناهية التي تضطر إلى إنجازها لأجلنا.
هو حوارٌ يتكرر معنا كأمهات كل يوم
نحمل على عاتقنا مسؤوليات لا حصر لها، ونرفض طلب المساعدة كي لا يشعر الآخرون بأننا نساء ضعيفات. نظن أننا خُلقنا للتضحية وننسى أن لكل إنسان طاقة محدودة، طاقة جسدية ومعنوية ونفسية. ونجد نفسنا فجأةُ ننفجر لأبسط المواقف وأسخفها. ومع الأسف في معظم الأحيان يُصاب أطفالنا بشظايا البركان الذي انفجر داخلنا. ونزرع فيهم جراحاً تُخلد ذكراها مدى الحياة.
لو أننا نفكر للحظة بالطريقة التي سيفسر أطفالنا الصغار عبارات الكبار هذه لما نطقناها. ما الغاية من الاستمرار بإخبار طفلٍ صغير أو التحدث على مسمعه بأن حياتكِ كلها تعيسة جداً وبأنكِ تشعرين بالإرهاق وتتمنين لو لم تتزوجي ذات يوم؟
ما الفائدة من رمي فشلنا في حياتنا الزوجية أو العاطفية أو المهنية أو حتى كأمهات على أطفالنا؟
كنتُ أتمنى ولو ليومٍ واحدٍ أن أراها تبتسم، أن تجلس وتلعب معنا بهدوء دون أن تفكر أن عليها أن تغسل الصحون أو تنظف الملابس أو أن تنظف أرضية المنزل للمرة الثانية على التوالي في اليوم نفسه. كنتُ أتمنى ولو للحظة أن أشعر بأنني أولوية في حياتها.
كانت تقول بأننا أنا وإخوتي أولوية لكننا لم نشعر يوماً بذلك، لم نلمس ذلك في تصرفاتها وأفعالها. كانت تقول بأنها تقوم بكل هذا لأجلنا. لكنها لم تكن تدرك أن الأطباق المتراكمة في الحوض لا تعنينا، وأننا لا نهتم بمدى لمعان الأرضية التي تراها متسخة على الرغم من أنها نظيفة. انشغلت بكل هذه الأمور عنا لأجلنا. وكبرنا ونحن نشعر بفراغ شديد. لقد كانت حاضرة جسدياً غائبة عاطفياً. وكان هذا الشعور بالوحدة يفقدني كل شيء، ظننتُ أنني شخص لا يستحق الحب والاهتمام، فقدت الثقة بنفسي وشيئاً فشيئاً فقدتُ الثقة بها.
نعم فقدتُ ثقتي بأمي بشكلٍ تدريجي، لم أعد أجرؤ على أن أخبرها شيئاً فهي لن تكترث أو بمعنى أدق لن تملك ما يكفي من الوقت كي تكترث. لم أعد أحاول أن أريها إنجازاتي الطفولية الصغيرة، أو أن أخبرها عن مغامراتي في المدرسة أو حتى عن مشاكلي.
كانت تظن انها أم مثالية، وهذا ما كنتُ أظنه أيضاً.. إلى أن كبرتُ وفهمت أن المثالية لا تكمن في الأمور السطحية إنما في عمق الأمور. تحدث الجميع عن نظافتنا وترتيبنا وتهذيبنا ومنزلنا الجميل، لكن لم يعلم أحد حجم الفوضى التي كانت تختلج في نفوسنا. لقد دفعنا ثمن هذه الأمور السطحية غالياً، دفعنا ثمنها طفولةً بأكملها.. طفولةً يليها عمر.