Site icon التربية الذكية

كيف نكسر حلقة التنمر؟ فلنبدأ بأنفسنا.. ثم بأطفالنا

كسر التنمر

ado

كسر التنم..

اصطحبتُ ابنتي كما وعدتها كي تلعب مع أختها بالكرة في المساحة المخصصة للأطفال في موقف البناية. وبدأت برمي الكرة لأختها واستمرتا بالضحك والجري واللعب، إلى أن اجتمع حولهما بعض الأطفال. كنتُ أراقبهما عن كثب. اقتربت أميرتي التي تبلغ من العمر أربع سنوات من الأطفال وقالت لهم “تعالوا والعبوا معي، سنشكل فريقاً كبيراً.”

ركض الأطفال نحوها فرحين وبدأوا باللعب. طبعاً رغم كثرة الأطفال من حولها، لم تنس أميرتي تمرير الكرة لأختها التي تكبرها بسنتين، والتي تعاني من اضطراب طيف التوحد، كانت تطلب منهم التوقف عن اللعب للحظات، وتحمل الكرة وتضعها أمام أختها وتقول لها “هيا يارا اركليها” ثم تصفق لها عندما تنجح في ذلك.

لم أستغرب سلوكها مع أختها، فهذا ما علمتها إياه. علمتها ألا تنسى أختها حتى لو كثر الأطفال من حولها، ثم إنها وبالفطرة تحمل لهفة وحباً كبيراً اتجاه أختها. كأنها تعلم أنها بحاجة إلى الكثير من الحب والدعم والاهتمام.

ما فاجأني، هو أنها تركت الكرة وأختها وأصدقاءها الجدد، واتجهت نحو فتاة توازيها سناً، تجلس لوحدها بخجل وتردد وتراقبهم يلعبون. أمسكتها بيدها وقالت لها “لِمَ تجلسين هنا؟ تعالي والعبي معنا؟”. فابتسمت الفتاة وركضت وابنتي تمسك بيدها نحو باقي الأطفال.

كدتُ أبكي. هذا الأمر يعنيني كثيراً، لطالما أرعبتني فكرة التنمر خاصة أن لدي ابنة تعاني من صعوبات في التواصل والتعبير. وطبعاً لأنني مررتُ بمواقف مماثلة في طفولتي جعلتني أخاف من الناس بل من الخيبة التي قد تصيبنا إن تقربنا من الناس. لطالما تساءَلتُ كيف لي أن أكسر حلقات التنمر المدمرة هذه، وما هي الأسباب التي تدفع هؤلاء الأطفال إلى التصرف بطريقة عدوانية جارحة مع أقرانهم.

وأتت الإجابة عبر هذا المشهد البسيط، ابنتي التي تركت كل شيء لتأتي وتمسك بيد تلك الطفلة وتساعدها كي تندمج مع باقي الأطفال.

ثم تذكرتُ القصة التي رويتها لها عن الطفلة التي تجلس حزينة لأن الأطفال لا يلعبون معها. وكيف أخبرتها في نهاية القصة، أن من واجبنا حين نرى شخصاً حزيناً او وحيداً أن نحاول مساعدته. مضمون القصة كان عن أن أصدقاء هذه الفتاة كانوا يسخرون منها لأنها مختلفة، ولأنها لا تتكلم جيداً. لكن الأمر لم يكن بيدها، وفسرتُ لابنتي عن المشاعر التي قد تراود تلك الفتاة من حزنٍ وخيبة وألم ووحدة لأن زملاؤها لا يلعبون معها. ووضعتُ الحل في راما وهي فتاة ذكية وجميلة وقوية (أميرتي تعرف جيداً أنني حين أذكر هذه الصفات أقصد أن أتكلم عنها). وأخبرتها أن راما البطلة استطاعت أن تنقذ الفتاة الوحيدة من حزنها وجعلتها صديقتها.

من هنا وبهذه الطريقة يتم كسر حلقات التنمر. فلنبدأ بأنفسنا، بأطفالنا، بمحيطنا. وشيئاً فشيئاً سنتمكن من إضفاء بعض النور في هذا العالم المظلم. لا بد أن نبدأ من مكانٍ ما. فأطفالنا جميعاً معرضون لكافة انواع التنمر أينما حلوا. لا بد أن نبدأ من مكانٍ ما!

سماح خليفة

Exit mobile version