الطفل يحتاج إلى أمه

0

طفلتي الملاك تحوّلت، لم أعد أعرفها. خاصةً بعد ان اكتسبت سلوكاً عدوانياً وبدأت بالدفع والضرب. أنظر إلى عينيها وأرى خوفاً وغضباً وتشتتاً. كنتُ أشعر أن علاقتي بها بدأت تتحطم شيئاً فشيئاً. خفتُ أن أفقدها. حاصرتني المشاعر السلبية من كل اتجاه. إلى أن نطقت أخصائية العلاج السلوكي عبارة واحدة تغيّر من بعدها كل شيء.

“الطفل يحتاج إلى أمه”

كنتُ أنهال عليها بوابلٍ من الأسئلة “لِمَ تضرب ابنتي؟ لم تتصرف بهذه الطريقة؟ من أين اكتسبت هذا السلوك؟ هل أفقدها شيئاً فشيئاً؟ كيف لي أن أسترجعها؟ هل توتري يؤثر عليها؟”. نظرت إليّ بتعاطف كبير، وضعت يدها على كتفي وقالت ” الطفل يحتاج إلى أمه، ابنتكِ تحتاج إليكِ”.

شردتُ قليلاً وبدأتُ أفكر.. إنها على حق. منذ فترة طويلة لم أجلس معها.. فعلياً منذ أن بدأت تتراجع سلوكياً وعرفتُ أنها تقلد طفلاً سلوكه عدواني بعض الشيء في صفها. وبدأت المشاكل مع المدرسة، إلى أن ازداد قلقي أكثر حين علمتُ أن أحد الأطفال في صفها تعرض للضرب من قِبَل ذلك الطفل. تقريباً فقدتُ صوابي. طفلتي مصابة باضطراب طيف التوحد وتقلد كل شيء. وها هي اليوم تضرب إخوتها في المنزل.

ثم أوقفتُ نفسي، ها هي الافكار السلبية تسيطر عليّ مجدداً. إنها السبب. حتى أنني لم أتمكن من أن أبتسم لابنتي منذ مدة. ابنتي تفتقدني. هي خائفة، متوترة، قلقة، غاضبة. أمها ليست هنا لتلاعبها وتدغدغها وتغمرها وتغني معها. ربما تفكر حين تنظر إليّ وملامح التوتر والغضب واضحة على وجهي “مَن هذه المرأة؟ أين أمي؟ أريد أمي!”..

إنها الحقيقة.. خرجتُ من عيادة الأخصائية وقد اتخذتُ قراري.

لا مزيد من الأفكار السلبية. ابنتي بحاجة إليّ. وبالفعل تراجع السلوك العدواني إلى حد قارب الاختفاء في غضون أيام قليلة. عادت تجلس بين أحضاني لفترة طويلة وتقبلني لتعبر عن حبها بتصرفاتها لانها لا تستطيع التعبير بالكلام. عادت تضحك وهدأت وخفت حدة خوفها وتوترها بشكل ملحوظ.

كم من مرة كنا متواجدين فيها مع أطفالنا وغير متواجدين؟ كم من مرة كنا حاضرين شكلياً وغائبين عنهم عاطفياً؟ وكم من مرة انشغلنا بمشاكلنا الزوجية والمادية وكيفية تسديد الفواتير ومشاكل الأرض والمجرات ونسيناهم؟ كم من مرة تركنا أفكارنا السلبية تسيطر علينا وهم تائهون يفتقدون إلينا ولا يعرفون السبيل للتعبير عما يختلجهم من مشاعر.

أطفالنا يحتاجون إلى تواجدنا العاطفي لا الشكلي. أطفالنا يبحثون عنا فيما نحن منشغلون عنهم لأجلهم. لكننا دون أن نشعر نفقد الروابط التي تجمعنا بهم ويتجسد ذلك في سلوكياتهم وانفعالاتهم ورفضهم للأوامر وانعزالهم… لا تستخفوا بالأمر، قد نمر جميعاً بمرحل إحباط وإرهاق.. لكن فكروا بالأمر جدياً… أطفالكم حقاً بحاجة إليكم!

اترك رد