Site icon التربية الذكية

قلوب الأطفال لا ترى الفوارق، بل تلغي مسافات الإختلاف

AdobeStock

قلوب الأطفال لا ترى الفوارق، بل تلغي مسافات الإختلاف

اصطحبتُ ابنتي إلى موعد طبيب الأسنان. أثناء دخولنا، وقف الحارس ينادي “سيدتي ممنوع الدخول دون وضع كمامة”. أخبرته أنني نسيتها وسألته عن أقرب مكان من الممكن أن أشتري منه كمامة. خلال هذه اللحظات تَرَكَت ابنتي يدي وركضت إلى داخل مبنى العيادات. ابنتي التي تبلغ من العمر 7 سنوات مصابة بتأخر عقلي، كنتُ متأكدة أنني إن ناديتها لن تستجيب لندائي. أخبرته أنني سأحضرها ومن ثم سأذهب لإحضار كمامة. لكنه رفض أن يسمح لي بالدخول، كنتُ أتحدث إليه وأنظر إليها وأنا خائفة من أن تصعد على السلم بمفردها أو تقع وتؤذي نفسها أو تختفي عن نظري في زوايا المكان. فصرختُ دون وعي “ما الذي تقوله؟ إبنتي في الداخل!”. في هذه الأثناء نظرت إلي طفلتي ذات الأربع سنوات وقالت “أمي لا بأس.. لا تقلقي، أن سأحضر أختي يارا”. وتركت يدي ثم اتجهت نحو أختها أمسكتها من يدها وأحضرتها.

في تلك اللحظات نسيتُ الحارس وموعد الطبيب والكمامة والكون كله. ونظرتُ إلي ابنتي التي تمسك بيدِ أختها بخوفٍ ولهفة. ثم نظرتُ إلى الحارس ذو القلب المتحجر. متضادين يقفان مقابل بعضهما، وفارق السن بينهما عظيم.
لأول مرة أنتبه إلى أن صغيرتي تركز إلى هذا الحد إلى أحاديث الكبار. لأنها غالباً لا تتدخل حين نتحدث. تفاجأتُ من ردة فعلها وتصرفها الذي يدل على وعيها رغم صغر سنها.
ثم تذكرتُ أنني لطالما ركزتُ على تعليمها البحث عن خططٍ لإيجاد الحلول بدلاً من التوتر والبكاء. وها هي صغيرتي اليوم تثبت لي فعالية أسلوبي في التربية. شعرتُ بفخرٍ شديد، فلطالما انتقدني جميع مَن حولي على مناقشاتنا الطويلة وعدم حسم الأمور معها، ولطالما اتُهمتُ بالإفراط في التدليل.

“آن الأوان أن تخبري ابنتكِ أن أختها مختلفة”

تذكرتُ بعد ذلك مباشرةً تلك الجملة التي قالتها لي إحدى الأخصائيات “آن الأوان أن تخبري ابنتكِ أن أختها مختلفة”. كان وقع هذه الكلمة على قلبي كضربة السكين. مختلفة؟ لطالما حاولتُ أن أنشر بعض التوعية حول حالة ابنتي مشيرةً إلى ضرورة دمخ هؤلاء الأطفال وعدم معاملتها على أنهم مختلفون. لقد حصل الموقف حين بدأت ابنتي تتراجع سلوكياً وتضرب أختها، وذلك لأنها تقلد سلوك طفلٍ في صفها. حاولتُ مراراً وتكراراً أن أخبرهم أن ابنتي تتراجع سلوكياً، وأنها بدأت تضرب أختها. وأن الوضع سيؤثر على علاقتها بطريقة سلبية. وبدلاً من العثور على حلول منطقية مقبولة أو على الأقل إرشادي على طريقة للسيطرة على سلوك إبنتي، أجابتني المسؤولة المختصة بتلك الجملة الغريبة. آنذاك، اصطحبتُ طفلتي للخضوع لجلسات علاج سلوكي. وتحسن وضعها بشكلٍ سريع. وعادت طفلتي الملاك إلى طبيعتها المسالمة.

كلا لن أخبر ابنتي أن أختها مختلفة. لماذا؟ لأن أطفالنا بفطرتهم لا يرون تلك الإختلافات. كل ما رأته أميرتي هو أن أختها الكبرى تحتاج إلى المزيد من الحب والإهتمام. لم تعاملها يوماً على أنها مختلفة. بل أصرت بعنادها على أن تجذبها إلى عالمها واستجابت يارا لأختها الصغيرة حب، لان قلوبهما متشابهة، لا تحتوي سوى على النقاء والطيبة. وبعيدة كل البعد على مَن يصف الأطفال الملائكيين بال”مختلفين”.

سماح خليفة

Exit mobile version