الأم الغاضبة ليست أماً سيئة… هي أم متعبة تحتاج إلى المساعدة والدعم.
بعد أن غفوا بلحظات، وانتهى الماراثون وجلستُ بمفردي وهدأت. بدأتُ أفكر. لم تعد تعنيني الفوضى التي تعم في المنزل بعد أن وضبته 10 مرات، ولا الأرض المتسخة التي نظفتُها 5 مرات، ولا الألعاب المتناثرة في كل مكان والتي يحتاج تقسيمها وترتيبها إلى ساعات من الجهد. لم تعد تعنيني الجدران التي تلطخت بالألوان والملابس التي اتسخت. اختفى كل الغضب والتوتر، وحل مكانهما ذاك الشعور المدمر بالذنب.
نحن ننفعل اليوم بأكمله. وحين ينام أطفالنا ننظر إلى وجوههم الملائكية، ونبدأ بتذكر التفاصيل. نظرتُ إلى القصة التي غفت طفلتي البالغة من العمر سنتين وهي تغمرها منتظرةً كي آتي وأريها صور الحيوانات ونقلد أصواتهم معاً. ثم نظرتُ إلى ابنتي التي تبلغ من العمر أربع سنوات وتذكرتُ كيف وبختُها قبل النوم قائلةً “أنتِ تتصرفين كالصغار، لم ترمين كل الأغراض أرضاً، وتلعبين بالماء وتتركين الحنفية مفتوحة وتنثرين الفوضى في كل مكان؟”.وتذكرت كيف بكت وهي تجيبني “أنا لستُ صغيرة، أنا فتاة كبيرة وذكية”.. لم تحزن لأنني انفعلت بل حزنت لأنني استخدمتُ عبارات تدل على عدم ثقة وقللتُ من شأنها دون أن أشعر.
الأجيال والأزمان والأفكار تختلف
لقد كان يوماً سيئاً جداً. أخفقتُ مجدداً. حالي كحال الكثير من الأمهات. والمشكلة واحدة… تراكم المسؤوليات لدرجة تفوق قدرتنا وطاقتنا. يقولون إنهم كانوا يربون ست أو سبع أطفال ولا يشتكون. وإن من واجب المرأة تولي كل المهام. بغض النظر عن أن معظم النساء يتولين وظائف خارج المنزل في أيامنا هذه. الأجيال والأزمان الأفكار تختلف. على سبيل المثال لا أذكر يوماً أن أمي كانت تسألني عن مشاعري أو عن أفكاري. وها أنا اليوم لا أتمتع بالثقة بالنفس وحسّ المبادرة لدي شبه معدوم، أجد صعوبة في التعبير عن مشاعري وصعوبة أكبر في التواصل مع الناس. بينما لا بد لي يومياً من أن أتحدث مع أطفالي عن تجاربهم ومشاعرهم، وأن أروي لأميرتي قصة عن الصدق أو عن الخوف أو عن الوحدة أو عن الطفلة التي سخر منها أصدقاؤها لكنها لم تفقد الثقة بنفسها. لا بد لي يومياً من أخصص وقتاً لأنشطة أو ألعاب مشتركة بينهم أعلمهم فيها كيف يتشاركون الألعاب ويهتمون ببعضهم.
رجال ونساء الغد هم نفسهم أطفال اليوم
أنا المسؤولة عن تكوين شخصية أطفالي، وكل الخيوط بيدي.. إما أن أربي أطفالاً ناجحين فاعلين قادرين على الدفاع عن أنفسهم والتعبير عن أفكارهم دون خوف..وإما أنهم سيصبحون خائفين مترددين غير واثقين من أنفسهم وربما سيئين أو حتى متنمرين. رجال ونساء الغد هم نفسهم أطفال اليوم.
نحتاج إلى أمهات سعيدات
مجتمعنا لا يحتاج إلى المزيد من الخطط والمناهج التربوية.. بل يحتاج إلى أمهات سعيدات للحصول على أطفال أسوياء نفسياً. فالأم الغاضبة ليست أماً سيئة… هي أم متعبة استزفت آخر نقطة صبر وطاقة لديها وما زالت تقاوم لأجل أطفالها.
سماح خليفة