بين جدران بعض المنازل طفلٌ منسي .. تذكروه قبل فوات الأوان!
منذ بضعة أيام كانت أميرتي التي تبلغ من العمر 4 سنوات تلاحق فراشة في المنزل وتضحك. ثم تقدمت مني بعد بضع دقائق وقالت “أمي لمَ لم تقومي في ذاك اليوم بجعلي أرى الفراشة؟”. نظرتُ إليها باستغراب وسألتُها “أي فراشة؟”. أجابت “تلك الفراشة التي التقطتها بين يديكِ وأريتِها لأختي يارا. كنتُ بالقرب منكِ أنتظر. اتجهتِ نحو يارا وفتحتِ يديكِ وأريتِها الفراشة. وطارت الفراشة. وأميرة تنتظر. ثم شعرت أميرة بالحزن كثيراً”.
تذكرتُ الموقف.. لم أنتبه حقاً! كان كل ما يشغلني حينها أن أري ابنتي يارا الفراشة كي تحاول نطق كلمة “فراشة”. أعترف حينها أنني نسيتُها. نسيتُها تماماً. كان تصرفاً بمنتهى القسوة ولو عن غير قصد. كانت تنتظرني دون أن أنتبه. ومررتُ بالقرب منها دون أن أراها حتى. أتخيل شعورها آنذاك ومدى خيبتها.
قلوب أطفالنا الصغيرة ترى تفاصيل لا نلاحظها نحن الكبار.
في معظم المنازل هناك طفلٌ صغير منسي بين جدران إحدى الغرف، قد يكتفي بالصمت ويفكر ويحلل المواقف مع ألعابه بمفرده. وقد يعبر عن حزنه عبر سلوك عنيف أو غير مقبول أو عبر تجاهل والديه كرد فعل على تجاهلهما له. هذا الطفل المنسي في ضوضاء الحياة وخضم المعارك التي يخوضها الأهل لتأمين مسلزمات الحياة يستحق الحب والاهتمام والدعم. غالباً ما يقول الأهل عنه إنه طفل مهذب وهادئ وغير مشاغب، فهو لا يثير الفوضى، لا يصدر أي صوت، يخفي حتى صوت خيبته وأنينه وانكسار قلبه.
العواقب النفسية البعيدة الأمد التي قد يعاني منها الطفل المنسي:
- فقدان تقديره لذاته: مع مرور الوقت سيراود هذا الطفل شعور بأنه لا يستحق الحب. خاصة إن لم يتم التحدث معه والقيام بالتغييرات اللازمة في تعاملنا معه.
- فقدان الثقة بالنفس: سيشعر هذا الطفل بأن فيه خطب ما. وسيتساءل عن أسباب سلوك والديه خاصة إن كان متعلقاً به فقط “ما الذي يجعل أمي لا تهتم بي؟ لماذا أبي لا يحملني مثل باقي إخوتي؟..”
- الشعور بعدم الانتماء: خاصة إن استمرت هذه المعاملة حتى سن المراهقة. سيشعر مع مرور الوقت أنه لا يجد الأمان والتقدير من والديه. وسيبدأ بالبحث عن ملاجئ أخرى تشعره بالتقدير والأمان.
- الانجذاب بسهولة إلى أية مجموعة تشعره بالقوة: ذاك الشعور بالدونية سيدفع طفلكم إلى البحث عن مجموعات تشعره بأنه مرئي، وسيكون طريدة سهلة لتعاطي وإدمان المخدرات في سن المراهقة، أو لأي شخص يتقن التلاعب بضعاف النفوس لتحقيق مصالحه.
تذكروا طفلكم المنسي قبل فوات الأوان
بعد فترة قصيرة، رأيتُ فراشة صغيرة والتقطتها وأحضرتها لأميرتي.. فضحكت ضحكتها الملائكية وقفزت من شدة السعادة. ثم قلتُ لها “أتذكرين تلك المرة التي لم أحضر لكِ فيها الفراشة كي تريها؟ لقد تصرفتُ حينها بشكلٍ خاطئ. أعدكِ أن أحاول ألا أنسى أموراً كهذه مجدداً. وأنتِ عِديني أن تذكريني إن نسيت. اتفقنا؟”. أومأت برأسها وغمرتني وهي تهمس في أذني “أحبكِ ماما”.
سماح خليفة