كيف نعلم أطفالنا التعامل مع رفض الآخرين لهم؟ لم تكن المرة الأولى التي يرفض فيها الأطفال اللعب مع ابنتي. كنتُ في زيارة إلى منزل أحد الأقارب وكان البيت مكتظاً بالأطفال. اقتربت صغيرتي التي تبلغ 4 سنوات منهم للعب معهم. لكنهم تجنبوها لأكثر من مرة. وابنتي أذكى من أن لا تلاحظ محاولاتهم لإبعادها. كنتُ أنظر إليها من بعيد كي أرى كيف ستواجه الموقف من تلقاء نفسها، إلى أن تقدمت مني وسألتني هذا السؤال المفاجئ “لِمَ يرفض الأطفال أن يلعبوا معي يا أمي؟”.
كنتُ قد اتخذتُ عهداً على نفسي أن أبذل بعض المجهود كي لا أتدخل فور حصول مشكلة مع ابنتي، لعدة أسباب:
- أولاً: كي أتيح لها فرصة لحل مشاكلها بنفسها، دون اللجوء إلى مساعدة الآخرين.
- ثانياً: لأنني لاحظتُ أن فرط حمايتي لها يجعلها تفقد شيئاً من جرأتها وقوة شخصيتها.
- ثالثاً: والأهم من ذلك كله أنها عاجلاً أم آجلاً سترى الوجه الآخر من المجتمع البعيد كل البعد عن حياتها البريئة في المنزل معنا ومع إخواتها، وإلى ذلك الحين لا بد أن تكون قد بنت طرقها الدفاعية الخاصة بعيداً عن تدخلي أو تدخل والدها.
- رابعاً: استنتجتُ أخيراً أنه لا يحق لي أن أمنع ابنتي من عيش مشاعر الخيبة أو الألم أو الحزن. لأن ذلك سيشكل خللاً في تكوين شخصيتها. ولأن تكوين صورة مثالية عن الناس والمحيط سيجعلها تصاب بصدمة كبيرة وتعجز عن الدفاع عن نفسها عندما تواجه تحديات الواقع.
لكنني حين رأيتُها تنسحب بحزن بعد عدة محاولات لجعلهم يتقبلونها، قررتُ أن أتدخل. كيف؟ الأمر ليس سهلاً. ليس من السهل أبداً أن نشرح لأطفالنا أن الكون ليس دائماً كما نريد ونتمنى. وأن طيبتهم وتعاطفهم مع الناس لا يعنيان أنهم سيعاملونهم حتماً بالمثل. ناديتُها وأخبرتها أننا سنخرج في نزهة صغيرة ونتحدث. واستأذنتُ من الجميع وخرجنا.
المنزل الذي كنا فيه متواجد في منطقة جبلية جميلة. بدأتُ الحديث على الشكل التالي:
“أنظري إلى العشب المتناثر في هذه البقعة، وأخبريني ما هو أجمل ما في هذا المكان برأيكِ؟” فأشارت إلى الزهرة وجذبتني من يدي كي نتجه نحوها.
حين اقتربنا قلتُ لها “حسناً، كما ترين إنها الزهرة الوحيدة المتواجدة في هذه البقعة. ومع ذلك هي أجمل ما فيه. كونها وحيدة لم يمنع تميّزها، بل جعله بارزاً أكثر.”
فأجابت “ماذا تقصدين أمي، أن هذه الزهرة ليس لديها أصدقاء مثل أميرة؟”
كدتُ أبكي لكنني تمالكتُ نفسي، جلستُ على مقعد قريب وجعلتها تجلس في حضني وأجبت “ومَن قال إن أميرة ليس لديها أصدقاء؟ ألا تعلمين أنكِ صديقتي المفضلة؟ وماذا عن أختيكِ؟ وماذا عن أصدقائك في المدرسة؟ وابنة خالكِ؟”.
فسألتني بشكلٍ مباشر وكأنها تنتظر الفرصة كي تسمع إجابة على هذا السؤال الذي يزرع الحزن في قلبها”لماذا لا يريدون أن يلعبوا معي؟”
فأجبتها بالتالي “صغيرتي، في هذه الحياة ستقابلين الكثير من الناس الذين سيحبونكِ كثيراً مثل ماما وبابا. ولكنكِ أيضاً ستقابلين أشخاصاً لا يهتمون بالتقرب منكِ. إن لم يحبكِ الآخرون أو لم يلعبوا معكِ، هذا لا يعني أنكِ لستِ مهمة أو جميلة أو ذكية كما تخبركِ ماما دائماً. بل يعني أن هؤلاء الأشخاص بكل بساطة لا يشاركونكِ نفس الاهتمامات أو الهوايات”.
نظرتُ إليها ونظرة الحزن في عينيها تكادُ تقتلني ورفعتُ وجهها باتجاه وجهي مباشرة وأكملت “أعلم أنكِ حزينة، لكن يجب أن تعلمي أنه لا بأس إن لم يحبنا الجميع. هذا لا يعني أننا أشخاص سيئين. فهناك الكثير من الناس الذين يحبوننا كثيراً. مثل ماما التي تحبكِ حد الجنون.”
فغمرتني وقالت “انا أيضاً أحبكِ ماما”.
ثم دغدغتها كي أرى ضحكتها لأنني لم أعد أحتمل غيابها عن وجهها الملائكي الضحوك. وأكملنا نزهتنا وتعرفت أميرة على أنواع زهور وحشرات جديدة بشغفٍ واهتمام كبيرين.
قد لا نستطيع حماية أطفالنا من كل شيء، وقد لا نجد طريقة أحياناً لجعل الأمور تسير على ما يُرام. لكن على الأقل علينا أن نجعلهم يدركون أن أهميتهم تنطلق من داخلهم، من ثقتهم بنفسهم، لا من الخارج ومن اهتمام الآخرين بهم. متى أدركوا ذلك، سيصبح تأثير الصدمات التي يواجهونها في المستقبل أقل وطأةً على قلوبهم البريئة. فتماماً كما نربي أطفالنا على محبة الآخرين والتعاطف معهم، علينا أن نفسر لهم أن بعض الناس لن يتعاملوا معهم بنفس الطريقة، وأن لا بأس بذلك.
سماح خليفة