الحب والأمان:
من المعترف به بشكل عام أن حب الأهل لأطفالهم هو حب غريزي وبيولوجي ويظهر منذ الولادة.
نتوقع من الأهل أن يحبوا طفلهم على الفور وبشكلٍ تلقائي ودائم، لذلك إن لم تشعر الأم الشابة بحب لامحدود اتجاه طفلها الرضيع، تميل إلى الشعور بأن خطباً ما يصيبها.
في الواقع، تطلق ولادة طفل عملية يتم خلالها نمو رابط عاطفي دائم ومستقر بشكل تدريجي بين الطفل وبين الشخص الذي يعتني به.
إن عملية إنشاء الترابط العاطفي، التي يتكون الجزء الأساسي منها خلال السنة الأولى في حياة الطفل، تسمى حب الأم والطفل في الحياة اليومية.
في الأعمال العلمية المتخصصة، تُسمى ب”التعلق العاطفي“.
نظراً لأن الأم تقضي عادةً معظم الوقت مع الطفل في أول علاقة معه، سنتحدث فيما يلي عن الأم، أو عن الشخص الذي يعتني بالطفل سواء كان الأب أو الجدة أو أي شخص آخر..
أهمية أول سنة في حياة الطفل
التعلق العاطفي القوي والتواصل بين الطفل والأم يتطوران بشكل مكثف خلال السنة الأولى.
نعتقد أن الطفل يحتاج إلى مثل هذه العلاقة التي تشكل جزءً من نظام الاستمرار على قيد الحياة.
إن فرص طفل رضيع يحتاج إلى الحماية ويعجز عن الاعتناء بنفسه، بالاستمرار على قيد الحياة تصبح أكثر إذا كان هناك شخص إلى جانبه يرعاه ويحميه.
الانفصال عن هذا الشخص يسبب خوفاً كبيراً لدى الطفل.
الخوف من الانفصال يظهر للمرة الأولى بين سن 6 و8 أشهر ويرافق الطفل بشكل بارز حتى سن ال18 شهراً. يُعد الخوف أيضاً مؤشراً إلى أن الطفل قد أنشأ هذا التقارب العاطفي الكبير مع هذا الشخص.
من الضروري للطفل أن يكون لديه الشخص الهادئ والوحيد نفسه المستقر والحساس الذي يعرف كيف يلبي احتياجاته ويؤمن له الحماية والحب.
إن لم يكن الحال كذلك، ينمو الطفل الرضيع بشكل أقل، لا فقط على الصعيد العاطفي بل ايضاً على الصعيد العقلي والجسدي.
سيتأخر في المشي والتكلم، وستصبح صحته أضعف.
تظهر الأبحاث أن الصحة الجسدية خلال مرحلة الطفولة وسن الرشد تعتمد على الأمان العاطفي الذي توفره البيئة التي تحيط به خلال سنوات حياته الأولى.
إن واقع أن يشعر الطفل بالحب والأمان يعتمد على ظروف مختلفة:
1- بعض النقاط تتعلق بالطفل نفسه، بصحته ومزاجه.
من السهل تربية أطفال صغار هادئين وسعداء وبصحة جيدة، ووفق نظام نوم وغذاء جيد وطبيعي، لديهم فرص أكبر للحصول على اتصال عاطفي مع أمهم.
يختلف الأطفال وفق:
- البكاء – بعض الأطفال يبكون كثيراً ولفترات طويلة، بينما يكون أطفال آخرون هادئين ونادراً ما يبكون؛
- المواساة – بعض الأطفال لا يمكن إرضاؤهم، ومن الصعب تهدئتهم، بينما آخرون يتجاوبون بشكل سريع مع محاولات المواساة؛
- الرضاعة الطبيعية – تشكل الرضاعة الطبيعية أكبر متعة بالنسبة لبعض الأطفال منذ اللحظة الأولى، بينما لا يستطيع أطفال آخرون الاعتياد على الرضاعة الطبيعية؛
- الحساسية للمحفزات – قد يكون الطفل الرضيع أحياناً مفرط الحساسية عند الاحتكاك بمحفزات البيئة المحيطة (الصوت، الضوء)؛ بعض الأطفال حساسون للغاية ومميزون لدرجة أننا نظن أن عليهم أن يولدوا “مع تعليمات للاستخدام”؛ هؤلاء الأطفال الرضع تتم حمايتهم بشكل غريزي من قبل والدتهم، بحيث يبدو أحياناً انهم مدللون؛
- العناق – بعض الأطفال يحبون العناق، بينما البعض الآخر لا يحبونه.
- الجوع – بينما بعض الأطفال يتمتعون بشهية جيدة، يرفض آخرون تناول الطعام، ويأكلون بشكل غير منتظم ويتقيأون…وما إلى ذلك.
2- الأمر الأكثر أهمية هو مدى حساسية الأم لاحتياجات طفلها الرضيع
في الواقع، قدرتها على معرفة الإشارات التي يطلقها طفلها، تعرّفها بشكل سريع على طريقة بكائه عندما يشعر بالجوع أو بالألم أو عندما يحتاج إلى الحب والاهتمام.
3- إن الخبرة التي يجب أن تملكها الأم فيما يتعلق بمهارات الأمومة والتربية يمكن تعلمها
الأم تعرف ما يحتاجه طفلها في أي عمر كان وما يجب فعله في مختلف المواقف.
4- العلاقة المتبادلة بين الأم والأب مهمة جداً
كذلك الأمر بالنسبة لمشاعر الأب اتجاه طفله، التي تؤثر بشكل كبير على جودة دور الأم.
أظهرت بعض الأبحاث أن رغبة الأب بالحصول على طفل مهمة جداً.
5- علاقة الأم بطفلها تعتمد على السياق العام للأسرة، ودرجة الأمان والاهتمام والحماية التي تشعر بها الأم في نطاق الأسرة والمجتمع.
6- الظروف الاجتماعية التي تعيش فيها الأم وأطفالها مهمة جداً.
إذا كان المجتمع يؤمن للأم الشعور بالأمان، وإذا كان لديها خيار وقرار في حال كانت تود أن تقضي السنوات الأولى مع طفلها بأمان تام وبشكل هادئ، أو إن كانت تريد حلاً آخر.
أثبتت التجارب أن أي نوع من أنواع الضغط والتوتر يؤثر بشل سلبي.
إذا كانت الأم تعيش ظروفاً صعبة جداً بالنسبة إليها، قد تعيش مشاعر رفض وعدوانية اتجاه طفلها. Yنه أحد المواضيع المحرمة التي لا يتم تداولها بشكل علني وصريح في المجتمع.
وفي هذا الوضع بالذات تحتاج الأم إلى تفهم ودعم ومساعدة من قِبَل أسرتها أو من قِبَل معالجها النفسي، الشخص الذي تستطيع أن تعبر له عن مشاعرها وأفكارها دون حكم أو إدانة.
هنا يكون الدور الأساسي للأب وللأسرة على نطاق أوسع دعم علاقة الأم بطفلها بصبر وتفهم.
يعد الحب والأمان اللذان يعيشهما الطفل في أولى سنوات طفولته من الشروط الأساسية والمهمة في تطور شخصيته لاحقاً بشكل طبيعي وصحي.
في هذه العلاقة العاطفية الأولى، يتم تكوين سمات الشخصية الأساسية، التي من الصعب تغييرها لاحقاً.
يعتمد الكثير على هذه التجارب بدءً من مدى قدرة الطفل على الحب عندما يكبر وكيف سيعيش بنفسه ويتعايش مع الكون من حوله (ما يمكن تسميته الصورة الرئيسية للعالم).
- هل سيفكر بأنه شخص جيد ويستحق حب الآخرين؟
- هل سيفكر أنه لا يستحق الحب؟
- هل العالم الذي يحيط به جيد؟
الكثير من الأمور تعتمد على هذه الاتصالات الأولى مع البيئة المحيطة، إلى أي مدى لاحقاً في طفولته وسن الرشد سيؤمن بنفسه ويثق بالآخرين، وإلى أي مدى سيتمكن من تحقيق ما يريده في حياته وما يجعله سعيداً.
الحب والأمان اللذان يكتسبهما الطفل في سنواته الأولى يساهمان في منع الإضطرابات التي قد يُصاب بها لاحقاً: اضطرابات السلوك، الانحراف، الإدمان، العنف والاعتداءات، والكثير من شرور العصر الحديث التي يخشى الأهل أن ينخرط فيها أطفالهم.
إن تطور عمل الدماغ وطريقة تربية الأطفال منذ سن مبكرة عاملان مترابطان عملياً.
التواصل مع الطفل
يمكنكِ من خلال حبك ومن خلال الدفء العاطفي الذي تقدمينه، عبر اعتنائك به وعناقك وحنانك، خلق شعور الأمان لدى الطفل وبناء احترامه لنفسه وثقته بنفسه، وكذلك بمحيطه وبالآخرين.
إنها الطريقة التي تبنين عبرها رابطاً عاطفياً – إنها عملية تنموان من خلالها أنتِ وطفلكِ وأنتما على صلة قوية ببعضكما البعض.
يعد الرابط العاطقي الآمن مع شخص خلال السنة الأولى من حياته أمراً ضرورياً لتطور تقدير الطفل لذاته.
لا يوجد في الحياة ما هو أهم من معرفة أن هذا الشخص يحبكم دون قيد أو شرط (“أنا شخص جيد، لي قيمة، وهناك مَن يحبني بغض النظر عن مدى نجاحي أو إخفاقي”).
يساعدكم هذا على حب أنفسكم دون قيد أو شرط، على تقبل المديح أو النقد بطريقة لا تؤثر بتقديركم لأنفسكم بشكل كبير.
يختبر الطفل الحب والعاطفة في كل لحظة؛ من خلال التغذية والجري والغناء والعناق والمداعبة والتدليك.
لهذا السبب من المهم جداً أن نحب الطفل بهدوء ولطف عندما نحمله ونطعمه ونغمره ونلفه ونلعب معه. يختبر الطفل الحب والأمان أيضاً عبر الحواس الأخرى: عبر السمع والنظر.
من المناسب جداً بالنسبة إليه أن تتحدثي معه وتغني له بهدوء. كما يمكنكِ اللعب مع طفلكِ منذ السنة الأولى من عمره.
إذا اقتربنا من وجهه، ينظر الطفل إلى الناس منذ الشهر الأول، يبتسم منذ الشهر الثاني، ويطلق بعض الأصوات ويستمع ويتوقف عن البكاء عندما تقترب أمه منه منذ الشهر الثالث.