حين تكون كل الظروف استثنائية.. لا تلوموا الأم! لا تلوموا الأم لأنها لم تكن استثنائية، لوموا الظروف الاستثنائية لأنها لم تتح لها المجال كي تلعب دورها كأم.
“أنتِ لا تحاولين تغيير شيء.. أنتِ لا زلتِ تعيشين في ماضيكِ وتلقين اللوم على الآخرين.. وأخيراً أنتِ لا تطبقين ما تعظين به الآخرين”.
وماذا لو أخبرتها أن ما أكتبه أعظ به نفسي أولاً..
لن تفهم. حتماً لن تفهم. هي ليست أماً. ليست أماً تستيقظ يومياً لتحاول تلبية احتياجات 3 أطفال وحين تحاول أخيراً الجلوس تتذكر أنها نسيت أن تحضر لهم مستلزمات المدارس ليوم غد، ثم تتذكر أن ما زال عليها نشر الغسيل وإزالة البقع عن الملابس التي لوثتها ابنتها أثناء تناول الطعام. ثم ينتهي يومها وهي تبكي لأنها لم تتمكن من تقديم اهتمام نوعي لأطفالها. لم تجلس معهم ولم تلعب معهم ولم تتحدث إليهم كما يجب.
ثم تعد نفسها بان الغد سيكون أفضل، وتجده أصعب بعد أن سمعت أن صاحب المنزل الذي تسكن فيه سيضاعف الإيجار في ظروف استثنائية. فتضطر استثنائياً ولظروف استثنائية (كالظروف الاستثنائية المتعلقة بمصاريف المدارس المتزايدة وجلسات ابنتها العلاجية) أن تبدل خططها وتغير أولوياتها وتعطي المزيد من الجهد والوقت لعملها.
ثم يأتيها شخص ليخبرها بأنها قصّرت أو بأنها انفعلت على طفلها اليوم، أو بأنها لم تسأل ابنتها لما ضربت أختها، أو بأنها لم تعد تهتم بتفاصيل أطفالها الصغيرة.
بلى أهتم! أهتم ولكن الظروف التي تكاد تسحقنا نحن الأهل لا تهتم! الديون التي تتراكم على عاتقنا كي نلبي احتياجاتهم الأساسية لا تهتم! الوقت الذي يمضي، وينسى في الخلف من لا يستمر في السعي والمحاولة، لا يهتم!
هذا الوقت يمضي ومعه أيام من عمري وعمر أطفالي.
أنا أعلم. أنا أعلم تماماً أن العمر سيمضي وسيكبرون وسأتساءل عن الوقت الذي كان من المفترض أن أقضيه معهم نلعب ونتحدث وأتأمل تفاصيلهم البريئة الصغيرة.
أكتب هذه الكلمات وأتذكر الوقت الذي كنتُ ألقي فيه اللوم على والدتي لأنها لم تكن تهتم بتفاصيل يومي ولم تكن تتحدث معي ولم تكن تخصص لي وقتاً. كما كنتُ أظن أنها أهملتني عاطفياً في صغري.
لم أتساءل يوماً إن كانت تملك وقتاً للاهتمام بنفسها عاطفياً من الأساس. لم أكن أفهم أن مرحلة الطفولة تنتهي حين ندرك أن علينا تولي مسؤولية أنفسنا وأشخاص آخرين بمفردنا، وأن بعض المثاليات مجرد أحلام. ولم أكن أدرك أن بعض الظروف ستبقى استثنائية مدى الحياة. أو بمعنى آخر أن الحياة استثنائية. الحياة ليست فيلماً مشاهده وردية هادئة ساحرة، الحياة معركة. إن لم تكسبها هزمتك. وفي معارك الامهات والآباء الهزيمة تعني دمار أسرة بأكملها لا شخص.
لستُ راضيةً عن كل ما أقوم به وما لا أقوم به اليوم. ولستُ راضية عن أدائي كأم. ولكن الأهم أنني لستُ بحاجة إلى مَن يذكرني بأنني لا أبلي بلاءً حسناً. بل بحاجة فقط إلى مَن يزيل بعض الحمل عني ويتيح لي وقتاً لأقضيه مع أطفالي، أو مَن يضع يده على كتفي ويخبرني بأن هذا الوقت سيمضي.. فقط لا غير!
سماح خليفة