القصة التي رويتُها لابنتي كي تتعلم مبادئ التعاطف والمشاركة
زارتنا صديقتي مع إبنها ذات يوم. دخلت أميرتي التي تبلغ من العمر 4 سنوات إلى غرفة الجلوس وهي تشرب العصير، فبدأ الصغير يبكي طالباً العصير من أمه. نظرتُ إلى صغيرتي فإذا بها لم تتفاعل. طلبتُ منها عندئذٍ أن تحضر له علبة العصير الأخرى من المطبخ، إلا أنها أجابت “كلا، إنها لي”. فسألتُها باستغراب “لكنكِ تشربين واحدة، ما المشكلة إن شاركتِ العلبة الأخرى مع جاد”. فأجابت “سأشرب هذه اليوم والثانية غداً، كلاهما لي”.
شعرتُ بالاستغراب، من أين أتت طفلتي بهذه الأنانية. لطالما حاولتُ أن أعلمها عن ضرورة التعاطف مع الآخرين. لكنها تركت الطفل يبكي كأن الأمر لا يعنيها. لم أفرض عليها شيئاً، فالهدف ليس أن تنفذ أوامري. بل أن تتعلم كيفية التعاطف مع الآخرين وتطبق مبادئ المشاركة والإيثار من تلقاء نفسها.
فقررتُ أن أعالج الأمر بطريقتي المعتادة: قصة ما قبل النوم عن أهمية التعاطف مع الآخرين والمشاركة
انتهى يومنا الماراثوني وحان وقت النوم. فسألتُها ما رأيكِ أن أحكي لكِ قصة اليوم؟ ركضت بمفردها إلى السرير وتمددت منتظرة بداية القصة بحماس. وكانت القصة على الشكل التالي.
“ذات يوم كان هناك فتاة صغيرة إسمها نور تتنزه مع أمها وتتناول فطيرة جبن كبيرة. إذا بطفل صغير جائع يطلب منها قطعة من الفطيرة وهو يبكي. إلأ أن نور لم تكترث لأمر ذلك الطفل. وتركته يبكي واستمرت بالتنزه وتناولت الفطيرة الكبيرة كلها بمفردها. حين وصلت إلى المنزل، بدأت تشعر بألم شديد في بطنها، فركضت لتخبر أمها. اهتمت أم نور بنور الصغيرة وأعطتها الدواء وأخبرتها أنه ليس عليها أن تتناول طعاماً أكثر من حاجتها، وأن الطعام الذي تناولته أكثر مما يتحمل بطنها الصغير لذلك شعرت بالألم.
في اليوم نفسه نام ذاك الطفل الصغير وهو يشعر بالألم في بطنه. لأنه جائع وبطنه فارغ لا يحتوي على أي طعام.”
ثم صمتُ قليلاً ونظرتُ إليها وسألتُها: “هل برأيكِ كان من الممكن أن نجد حلاً لهذين الصغيرين”.
بدأت تفكر بكل براءة، ثم نظرت إليّ وقالت “نعم ماما، كان يجب على نور أن تعطي جزءً من فطيرتها الكبيرة للطفل الصغير. هكذا لن يشعر أياً منهما بالألم. خطة جيدة أليس كذلك؟”
أضحكتني عبارة “خطة”. فأنا أستخدمها معها حين تعاني من مشكلة، مهما كانت مشكلتها صغيرة أتعامل معها بجدية، وأذكرها بأن أميرة ذكية وتستطيع أن تجد خطة للوصول إلى الحل.
قبلتها وأخبرتها “نعم، خطة ممتازة! هذا حل ذكي جداً”.
ردة فعل طفلتي المشاغبة الذكية
انتهت القصة وأطفأنا النور وغمرتها كي تغفو في قلبي ككل يوم. وإذا بها فجأة تسألني “أمي، هل سيأتي جاد غداً؟”. فأجبتها “ربما قد يأتي، هل تريدينه أن يأتي؟”. أجابت “نعم، أريده أن يأتي، أريد أن أعطيه علبة العصير كي لا ينام جائعاً”. ضحكتُ وقلتُ لها “تقصدين عطشاناً”. أومأت برأسها بهدوء.
عرفتُ حينها أن عليّ يوم غد أن أحكي قصة أخرى عن الطفل الذي نام حزيناً لأن أحدهم لم يكترث إلى مشاعره. فصغيرتي الظريفة ربطت فكرة التعاطف فقط بالجوع والعطش.
مهمتنا كأهل أن نغرس في قلوب صغارنا وأفكارهم وعقولهم مبادئ وقيم إيجابية. فالتربية لا تقتصر على الأمور المادية، التربية أعمق وأصعب بكثير مما يظنها البعض.
سماح خليفة