الأطفال “المختلفون”: أحلام كبيرة في واقع ضيق
ماذا لو كان المستحيل فعلاً مستحيلاً؟
نشعر بأن الكون يتهاوى من حولنا.. وبأن كل السبل مسدودة.. وكأن زلزالاً يهز الأرض من تحتنا وإعصاراً يضرب السماء من فوقنا ومن حولنا ضباب.. ذاك الزلزال الذي يهز الأرض هو الشعور باللاأمان، وتلك الأعاصير هي نظرات وانتقادات الناس ومحاولاتهم المستمرة لإحباطنا. أما الضباب فهو ذاك المستقبل القريب البعيد المجهول الذي يحيط بأطفالنا.
هذا هو حالنا… حال أمهات وآباء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أي نوعٍ كانت.
نجد أماكن يُقال بأنها تكفي لأمثال أطفالنا. نقلّهم بسياراتنا ونمر بكل مدرسة نرى فيها طفلاً يدخل ممسكاً بيد أمه أو أبيه وهو يسير بوضوح إلى بر الأمان ونبكي. يا هل تُرى إلى أين نسير نحن بأطفالنا؟ يا هل تُرى سنملك إجابات على أسئلتهم حول عدم قدرتهم على الحصول على أدنى حقوقهم حين يكبرون لمجرد أنهم مختلفون؟ ويا هل تُرى ماذا سنجيب حين يسألوننا عن سبب استهزاء الآخرين بهم وعن سبب السواد الذي في قلوب بعض الناس؟
حتى أولئك الأطفال الذين لا يعبرون بالكلمات. يستطيع أهلهم أن يقرأوا تساؤلاتهم في عيونهم، في سلوكياتهم، في حزنهم، في انعزالهم.
ننظر إليهم وهم يحملون أحلامهم الكبيرة في حقائبهم الصغيرة وينطلقون.. في عالم لا زاوية فيه تسع حجم أحلامهم..
إلى مؤسسات ضخمة من حيث الإسم والمظهر، ضئيلة جداً من حيث المستوى الإنساني ومن حيث إيمانها الفعلي بقدرات هؤلاء الأطفال.. مؤسسات يقول أصحابها عكس ما يضمرون ليجمعوا تبرعات على حساب مشاعر أطفالنا ومشاعرنا ومن ثم لا يهبونهم أدنى حقوقهم.. أو إلى مراكز متخصصة لا تحتوي على أدنى الإمكانيات، لا ذنب لأصحابها سوى أنهم يحاولون قدر الإمكان دعم أطفالنا وإثبات قدراتهم.. وبقدر إيمانهم بقدرات أطفالنا، بقدر وحدتهم في سعيهم لأنهم نادرون من حيث الفكر والمبدأ والرقي الإنساني والأخلاقي.
ثم نفكر بيننا وبين أنفسنا.. ما الحكمة؟ ما الحكمة في خوضنا كل هذه الحرب المدمرة التي نخوضها بكل قوانا لنثبت أن أطفالنا يستحقون الأفضل؟ لنثبت أنهم قابلون للإندماج والتطور؟ لنثبت أن المستحيل ممكن؟ وماذا لو كان المستحيل فعلاً مستحيلاً؟ ماذا لو كان حلمنا مجرد وهم؟ وماذا لو كان مصير هؤلاء الأطفال أن يكبروا وينتهوا منسيين في هذا المجتمع الظالم وفي هذا الكوكب المهيب؟ ماذا لو كان إيماننا بهم مجرد أمل يزرعه الله في نفوسنا لأننا لن نتمكن من تقبل حقيقة مؤلمة بحجم ظلم هذا الكون؟
وما الداعي للاستغراب في عالم لا يحصل فيه الإنسان على أدنى حقوقه بالأمان والعيش. علّ أفضل موطن لأطفالنا هو حضن أمهاتهم وقلوب آبائهم. علّ هذا الكون لا يستحق أمثالهم، علّ الحكمة من وجودهم فرصة لجعل الكون يرتقي، وعلّ الكون سيستمر في الانحدار إنسانياً وأخلاقياً واجتماعياً…
لم أكن أتوقع يوماً أن أكتب هذه الكلمات. لكن حجم الضربات أقوى من قدرة أي إنسان على المقاومة. هل سمعتم يوماً عن قلبٍ يحمل مع كل نبضة حزن؟ إنه قلب أم طفل مصاب باضطراب طيف التوحد أو بالتأخر العقلي.. تختلف المسميات والوجع واحد والمصير واحد والخوف واحد.
سماح خليفة