ماذا يريدون:
في الأشهر الأخيرة، ازداد ولدنا البالغ من العمر أربع سنوات عدائيّة في تعامله مع أخيه وأخته ومعنا. إنه يطالب باستمرار باهتمامنا وعندما لا يحظى به يُقدم على تصرّف عنيف جداً وعدائي.
يحظى يومياً بالكثير من الاهتمام الشخصي من والده ومني أنا. عندما يتصرّف بعدائية، نقول له بهدوء إننا لا نستطيع أن ندعه يضرب أو يرمي، الخ…حتى يتوقّف عن سلوكه هذا.
في الآونة الأخيرة، لم يعد يتوقّف فنضطر لأن نضعه في غرفة أخرى لئلا يؤذي أخاه أو أخته. عندئذ، نفسح له المجال كي يشارك مشاعره، الخ…
بعد أن يهدأ، نتحدّث عن قاعدتنا بألا يجرح الناس والحيوانات. نشعر صراحة أنه يتصرّف بعدائية كي يلفت انتباهنا.
كيف يمكننا أن نضع حدوداً حازمة من دون أن يستخدمها ابننا كوسيلة للفت الانتباه أكثر ؟
الاهتمام ليس متساوياً
قد يكون من الصعب أن نفهم لما يحتاج أولادنا إلى أن يلفتوا الانتباه بطريقة سلبيّة في حين أننا نوليهم الكثير من الاهتمام الايجابي.
“أنا أعطي وأعطي وأعطي لابنتي، لكنها… لا تدعني أذهب إلى الحمام بسلام. هذا غير عادل فعلاً!”
لا هذا ليس عادلاً أبداً. وهذا أحد الأسباب التي تمنعني من أن أكرر النصيحة التي تُقدّم عادة “أن اهتمي بطفلك واعتني به”. فبالنسبة إليّ، يخطئ من يظن أننا إذا منحنا أولادنا قدراً غير محدود من اهتمامنا، نمنع سلوكهم الصعب ونتجنّبه.
إنّ احتياجات الأولاد من الاهتمام هي أكثر تعقيداً وتبايناً من ذلك، كما هو الحال معنا جميعاً. بالتالي، لا يمكننا أن نعمم أو نراكم أو نبرمج.
نوع الاهتمام المناسب
كل تفاعل بيننا وبين أولادنا يرسل رسائل حول علاقتهم بنا وبأنفسهم. في اللحظات التي نولي فيها أولادنا ما يعتبره معظم الناس اهتماماً ايجابياً، كحضورنا التام أثناء لعبهم على سبيل المثال، أو الاستفادة من نزهة معاً أو قراءة الكتب لهم أو مجرد تمضية الوقت معاً، نرسل لهم رسائل مثل:
- • “التواجد معك جميل”
- • “أحبك كما أنت”
- • “أنت مسلٍ، وظريف ومثير للاهتمام وقادر”
- • “لديك افكار جيدة”
لكن عندما يتصرف أولادنا بطريقة صعبة أو مزعجة، يبحثون غالباً بطريقة تلقائية ومندفعة (ولاواعية في أغلب الأحيان) عن نوع آخر من التأكيد من جانبكم: الطمأنة، التقبّل، الشعور بالأمان وقوة القيادة لدينا. وحتى لو بدا لنا الولد فوضوياً في لحظتها (فهو يصرخ، وينتفض ضدنا، ويقاوم، ويستمر في سلوكه)، إلا أنّ رسالة التقبّل من ناحيتنا تبقى ايجابية. ما من شيء مطمئن ومريح وشافٍ بقوة أكثر من أن نشعر بأنّ المقرّبين منا يتقبلوننا حتى ونحن في أسوأ أحوالنا.
في الوضع الذي تصفه هذه الأم، يمكن للرسائل التي يبحث عنها أن تكون كالتالي: “أنت في أمان معنا، حتى عندما ترغب في أن تغضب… لا تقلق، لن ندعك تؤذينا أو تزعجنا…نحن هنا لنساعدك عندما تخرج عن السيطرة. مشاعرك ونزواتك مقبولة بالنسبة إلينا… نحن نرى الانزعاج خلف سلوكك… من الطبيعي أن تشعر بالرغبة في الضرب وفي رمي الأغراض عندما تحس بالتعب والقهر.”
إذن، كيف نفعل هذا؟
لا يختلف الأمر عملياً عما يفعله الأهل عادة. إنهم يحترمون الولد ولا يقاصصونه كما يتعاطفون مع تجربة ولدهم. لكن ثمة تعديلات بسيطة أجريها لأحرص على أن يتلقّى بوضوح الرسائل التي يحتاجها كي يتمكّن من أن يُخرج ما في داخله تماماً، وأن يشعر بأنه في أمان وأنه أكثر استقراراً.
سيُترجم ارتياحه بسلوك أكثر هدوءاً وأقلّ صعوبة.
لنأخذ هذه الجملة، “عندما يتصرّف بعدائية، نقول له بهدوء إننا لا نستطيع أن ندعه يضرب ويرمي، الخ.. حتى يتوقّف عن سلوكه هذا.”
عظيم… لكن ما العمل؟
1- بيّنوا له (على الفور) بدلاً من أن تقولوا له
حدوا جسدياً من سلوك ولدكم مع تقبّل مشاعره أو رغباته والاعتراف بها. مع منعه بثقة (من دون المبالغة في ردّ الفعل أو الإفراط)، يمكننا أن نقول: “تريد أن تضرب أخاك لكني هنا لأمنعك. أرى أنك تشعر برغبة قويّة في أن تغضب.”
وربما يمكن أن تقولوا: “إنه شعور مخيف، أليس كذلك؟ سأحاول دوماً أن أكون موجوداً لأحميك.” أنت تشير ضمناً إلى التالي: أنا أساندك وإلى جانبك. ومن الطبيعي أن تشعر بما تشعر به.
2- لا تكرروا القواعد
على الرغم من أن الأولاد يتصرفون بناءً على نزوات إلا أنّهم يدركون عموماً، وعلى مستوى معيّن، أنهم يخرقون القواعد تماماً أو أنهم لا يفعلون ما نريد.
بمعنى آخر، لقد تلقّوا المذكرة من قبل وهو يعلمون ما ينبغي أن يفعلوه لكنهم يستطيعون أن يغامروا لاارادياً في الناحية المظلمة. وتدفعنا غريزتنا في هذه الأوضاع إلى تكرار القواعد أو صياغتها بطريقة مختلفة. (لا بدّ أنهم لم يسمعوا أو يفهموا في المرة الأولى).
المشكلة في هذه المقاربة أنه من الصعب أن نحافظ على هدوئنا عندما نكرر كلامنا من دون جدوى. ومن الطبيعي أن يتعاظم إحباطنا ويعطي لسلوك الولد سلطة واهتماماً سلبياً.
الرسالة التي يحتاجها أولادنا فعلاً ليست تكرار القواعد بل تقبّلنا للدوافع غير الناضجة والانسانية التي تدفعهم لخرق هذه القواعد.
3- الاعتراف بصدق وصراحة بمشاعر ولدنا
لا نهدف بإقرارنا بمشاعر ولدنا إلى إصلاح سلوكه في لحظته أو وضع حدّ له، بل يجب أن يكون هدفنا أن نتواصل مع أولادنا وأن نشجّعهم على الشعور بما يشعرون به وأن نبيّن لهم أنّ الرغبة في الضرب وفي رميّ الأشياء مقبولة بالنسبة إلينا، حتى وإن كان التصرّف وفقاً لذلك غير مقبول (رسالة نعلّمها عبر منع حدوث هذه الأفعال).
الحل المثالي هو أن نفهم أننا نحمل كلنا مشاعر مظلمة وسلبيّة وأننا عندما نتعرّض للضغط النفسي أو عندما يطفح الكيل، يمكن أن نتصرّف وفقاً لهذه المشاعر، حتى وإن كنا راشدين.
إنّ الأولاد الصغار عموماً أكثر حساسية واضطراباً على المستوى العاطفي من الراشدين ولم يطوّروا مستوى التحكّم بالذات نفسه كالبالغين. بالتالي، إنّ عتبة التصرّف وفقاً لمشاعرهم منخفضة أكثر بكثير.
إذا حكمنا على هذه النزوات (التي نعيد ونكرر أنهم لا يتحكّمون بها) ومنعناها، فسيولّد إلغاؤنا لها المزيد من الضغط النفسي ما يؤديّ إلى سلوك أكثر تهوّراً.
إنّ رؤية هذه النزوات وتقبّلها يولّد تحرراً عاطفياً يخفف من حدّة السلوك السلبي وتكراره. لقد نجحنا في معالجة سبب سلوك ولدنا بدلاً من أن نمنع الأعراض أو نحاربها.
” في الآونة الأخيرة، لم يعد يتوقّف فنضطر لأن نضعه في غرفة أخرى لئلا يؤذي أخاه أو أخته. عندئذ، نفسح له المجال كي يشارك مشاعره، الخ…”
4- إعادة السلوك المتهوّر والمندفع إلى طبيعته بدلاً من ايلائه اهتماماً سلبياً
اتخذوا الحد الأدنى الممكن من الإجراءات لكبح الضربات وعملية رمي الأغراض واحرصوا على أن يبدو ذلك سهلاً ومن دون مشاكل قدر الإمكان. إنّ اصطحاب الولد إلى غرفة أخرى لكي يهدأ وإطالة هذه الجلسة عبر تكرار القواعد والدروس سيمنحان قدراً كبيراً من الاهتمام غير المجدي لهذه التصرفات النمطيّة التي يُقدم عليها الأخوة والأخوات.
هذا هو نوع الاهتمام الذي لا يحتاجه الأولاد: حكاية لا تنتهي عما أقدموا عليه من تصرّف سيء. بالتالي، يُفضل قدر الإمكان البقاء حيث نحن، أن نمنع التصرّف بهدوء مع ايصال رسالة تقبّل وأمان موجزة لأولادنا. وإن كان لديهم مشاعر يشاركونها فسيفعلون.