كيف اكتشفت أنني يجب أن أترك ابنتي تبكي!
بدأت نوبات ابنتي الهستيرية التي تبلغ من العمر سنتين ونصف تفقدني أعصابي. فهي تقف وتبدأ بالصراخ دون توقف إلى أن أخمن طلبها وأنفذه. حتى أنني كنتُ أحياناً أشعر بالذنب حين لا أفهم ما تريد فوراً. وهنا كانت الكارثة! لقد كنتُ فعلياً أتسبب بأذيتها! وهذا ما اكتشفته أختي بطريقتها الخاصة.
لاحظت أختي مدى توتري، كان واضحاً جداً أنني فقدتُ السيطرة بسبب صوت بكاء ابنتي المستمر. لقد بلغ بي الأمر أنني قصدتُ منذ حوالي الشهرين طبيباً متخصصاً للتأكد من أنها لا تعاني من مشاكل في السمع. وأكد لي الطبيب أنها لا تعاني من أي مشاكل سمعية.
ابنتي تفهم كل شيء، كما أنها بدأت في الآونة الأخيرة تردد بعض الكلمات. بالتالي لا يوجد أي مشكلة في النطق، لا مشكلة في السمع، ولا مشكلة في الإدراك. إذاً أين تكمن المشكلة؟ هذا ما اكتشفته أختي ولطالما حاولت أن تفسره لي.
كانت دائماً تطلب مني ألا أرد على ابنتي حين تبكي وألا أنفذ طلبها. وكنتُ أتهمها بالقسوة والتنظير وأخبرها أنني لا أستطيع أن أترك ابنتي بهذه الحالة. ماذا لو ظنت أنني لا أحبها؟ ماذا لو ظنت أنني لا أفهمها؟ برأيي كانت تحاول عبر بكائها أن تتواصل معي وأنه من واجبي أن أفهم ما تريد. نسيتُ أن هذه النظرية تنطبق على الطفل الرضيع الذي لا يستطيع أن يتكلم فقط!
كيف اكتشفتُ أنني السبب في تأخر طفلها في الكلام والتواصل دون أن تعلم
إلى أن طلبت مني أختي أن أقف بعيداً، وأن أبتعد عن أنظار ابنتي فيما كنتُ أعلم أنها تبكي لأنها تريدني أن أحملها وأهتم بها. رضختُ لطلبها رغماً عني. وقفتُ خلف الجدار وسمعتُ حديثها كله. أمسكت أختي بابنتي ونظرت إلى عينيها مباشرة، وقالت لها، توقفي عن البكاء. أنا لا أفهم شيئاً، لن أرد عليكِ ما لم تتوقفي عن البكاء.
استمرت ابنتي بالمقاومة لمدة ربع ساعة، لم أتمكن من سماع صوت بكائها وحاولتُ الدخول، فصرخت بي أختي طالبة مني أن أخرج. واستمرت بالتكلم مع ابنتي، كانت تقول لها: “أنتِ تستطيعين التكلم، أنا أعرف أنكِ تفهمين ما أقوله. أنتِ قادرة على إخباري بما تريدينه. توقفي عن البكاء وتكلمي”. . بدأتُ أفكر حينها “أختي العنيدة.. ما الذي دهاها؟ هل تعتقد أن طفلة بهذا السن ستفهم هذه الجمل الطويلة الصعبة؟ إنها تتحدث إليها كأنها شخص بالغ!”. إلى أن بدأت ابنتي تهدأ شيئاً فشيئاً وفوجئتُ بسماع صوتها تقول “ماما، بدي ماما (أي أريد أمي)”. فسارعتُ حينها بالدخول وغمرتها وقبلتها.
كنتُ مذهولة، لقد قالت كلمتين. ابنتي تستطيع أن تقول جملة. نظرت إلي أختي وقالت لي : إياكِ أن تنفذي طلبها دون أن تتوقف عن البكاء، أنتِ تدمرينها، أنتِ تساهمين في ازدياد عنادها وغرورها وهذه الشخصية تدمر نفسها بنفسها في المستقبل.
لقد كانت محقة. ففي الليلة نفسها، فيما كنتُ أجلس لأنجز بعض الأعمال على جهاز الحاسوب. اقتربت بنتي مني وقالت “ماما، بالون… بالون أحمر”. وكانت تشير إلى البالون وتطلب مني أن أحضره لها. لم أصدق ما سمعت. إلتفتُ نحوها وصفقتُ لها وقلت “نعم بالون، أحسنتِ إنه بالون أحمر. أتريدينه؟”. فأومأت برأسها. منذ يومٍ فقط كان كل ما تفعله هو الوقوف والبدء بالبكاء والصراخ مشيرةً بإصبعها نحو البالون! وكنتُ حينها أركض كي ألبي طلبها دون أن أفهم أنني السبب في تأخرها في الكلام!
كان هناك احتمالين:
إما أنها لم تكن تعرف أن هناك طريقة تعبير أخرى ولم تكن تفهم كيفية استخدامها. أو أنها كانت تحاول لفت الانتباه. وفي الحالتين تلبيتي لطلباتها وهي تبكي وتصرخ كان خطأً فادحاً.
في اليوم التالي، كانت تحاول قول الكثير من الجمل المؤلفة من كلمتين، كأنها اكتشفت للتو طريقة جديدة وتستمتع في إثبات قدراتها. إلى أن وقفت أمام باب الثلاجة وبدأت تصرخ وتبكي، فقلتُ لها “لم أفهم، توقفي عن البكاء. أنا لا أفهم شيئاً”. فتوقفت ودلت مجددا على باب الثلاجة وقالت “إفتح.. عصير”.
إكتشفتُ حينها أن الأمر لا يتعلق بإهمال الطفل عاطفياً وتركه يبكي، بل بجعله يدرك أن هناك أسلوباً آخر في الكلام. الأمر لا يتعلق بالقسوة نهائياً، ففي تلك اللحظات من واجبي كأم أن أبقى بالقرب من ابنتي وأساعدها بكل الطرق كي تستبدل أسلوبها الخاطئ بالأسلوب السليم.
سماح خليفة