علّموا أطفالكم أن يروا الكون بعيون جميلة.. سيحدث ذلك فرقاً
أسباب تنمر الأطفال:
كنتُ ذاهبةً إلى مدرسة ابنتي كي أحضرها. فصادفتُ 3 فتيات يبلغن حوالي العشر سنوات يسخرن من زميلتهنّ، لم أنتبه لما كنّ يقلنه، لكني رأيتُ الفتاة تنفعل وتصرخ بصوتٍ عالٍ “دعنني وشأني، لا شأن لكنّ بي!”. فأجابت إحداهن “أتظنين نفسكِ قوية؟ هيا اذهبي وابكي في إحدى زوايا الملعب. أنتِ لا تستطيعين حتى الدفاع عن نفسك”.
بحثتُ عن المعلمة المناوبة في الملعب فوجدتُها تقف جانباً كأن شيئاً لم يحدث. تخيّلتُ ابنتي مكانها.. ما كان ليكون موقفي؟ وهل كانت ستخبرني إن حدث معها أمرٌ مماثل؟ ثم اطمأننتُ وهدأت، إذ تذكّرتُ أنني عوّدتها أن تحكي لي يومياً ما يحصل معها، وأنني صديفتها المفضلة رغم كل النقد الذي سمعته عن جعل طفلك صديقاً لك. سمعتُ صوت ابنتي تناديني وهي تركض نحوي “ماما، لقد وضعت لي المعلمة نجمة. أنظري”.. حملتُها وقبّلتُها. ثم عدتُ إلى التفكير بتلك الفتاة. أردتُ أن أتدخّل، أنا أدرك حجم تأثير التنمر على الأطفال ومدى خطورته ما لم تتم معالجة الأمر. التفتُ لأبحث عنها، لكن لم أجد أحداً.
فوجِئتُ جداً بالمشهد، كنتُ أسمع كثيراً أن حالات التنمر في ازدياد. لكن لم أكن أفهم فكرة أن يسخر أطفال من بعضهم إلى أن رأيتُ ذلك بعيني. إنهم أطفال! ما الذي يجعل قلوبهم متحجرة إلى هذا الحد! ما الذي يدفعهم إلى التقليل من شأن بعضهم بهذا الشكل؟ الأمر بشع، بشع جداً.. كيف يعيش طفل طفولته في وسط هذا الكم من البشاعة؟
من أينَ أتوا بكل هذا الشر؟ طبعاً من عالم الكبار. الطفل صفحة بيضاء، نحن مَن نخط عليها ما نشاء، سواء بطريقة مباشرة وغير مباشرة. كيف ذلك؟
إليكم ما يحصل مع أطفالنا يومياً:
التحدث باستخفاف عن الآخرين أمام طفلنا:
تجلس الأم مع جارتها وتبدأ بالتحدث باستخفاف عن كل من لا تحبهم أو تشعر بالحاجة إلى انتقادهم. عن ذاك البائع البخيل الذي يشبه أنبوبة الغاز لأنه ضخم وقصير. عن تلك المرأة التي تصرخ طيلة اليوم على أطفالها وصوتُها كجرس الإنذار. وعن طفل صديقتها الغبي الذي لا يعرف كيف يتكلّم مع الكبار.. والأطفال يسمعون، يفهمون، ويقلّدون الكبار.
المقارنة بقصد الدعم:
تشجع الأم ابنتها قائلةً يجب أن تنالي علامةً عالية، لا تكوني مثل ابنة جارتنا الغبية. هذه الفتاة لن تنفع بشيءٍ في المستقبل، إنها فاشلة. هكذا تعلم الأم ابنتها ولو بطريقة غير مباشرة أن إهانة الآخرين والاستخفاف بهم أمرٌ عادي ومقبول.
المقارنة الهدامة:
أو على العكس تؤنب ابنها قائلةً أنتَ فاشل وغبي لا فائدة منك. وهنا أيضاً نعلم أطفالنا أن إهانة الآخر أمرٌ عادي، لكن مع كارثة إضافية، كم الحقد والغضب والألم الذي يحمله هذا الطفل في قلبه، قد يعبر عنه عبر استضعاف طفلٍ أصغر منه.
إهانة الآخرين وقولبة الناس:
“إنه مجرد سائق أجرة عمله بسيط، إنه زبال رائحته كريهة، إنها فقيرة تنظف المنازل”… كلها أمور تجعل الطفل يتعلّم منكم كيف يتصرف بفوقية مع من هم “أقل” منه أو أضعف منه وأن يستهزئ بهم دون مراعاة مشاعرهم.
وسائل التواصل الاجتماعي:
هنا الكارثة، وعن بشاعة ما يراه أطفالنا، حدث ولا حرج. لنذكر مثلاً أولئكَ الذين يقومون بافتعال المقالب دون مراعاة مشاعر الآخرين لجمع بعض اللايكات ونيل إعجاب الناس. أو أولئكَ الذين يسخرون من ذوي الإعاقات أو يستخدمونهم في تصوير الفيديوهات للوصول إلى عدد مشاهدات كبير…
انتبهوا! راقبوا أطفالكم
أصبح أطفالنا يتنافسون مَن يؤلف نكتةً ساخرة حول زميله أكثر خفةً للتسلية والضحك. أصبح أطفالنا يظنون أن استضعاف الآخر قوة وأن إهانة الغير مزحة وأن كل أشكال التجريح متاحة. ذاك الطفل الصغير يبكي في غرفته وحيداً كل يوم، متسائلاً عن سبب استهزاء أصدقائه به، محاولاً التفكير بطريقة للخروج من هذا العذاب اليومي، وهناك إحصاءات تثبت أن الطريقة الوحيدة لدى بعض الأطفال كانت الإنتحار. لا تجعلوا طفلكم يكون سبباً في مأساة طفلٍ آخر.
العلامات الأولى تظهر في المنزل، عدم تعاطفه مع أخيه حين يبكي، أن يقول له يا فاشل أو يا غبي. راقبوهم وعدلوا سلوكهم قبل أن ينخرطوا في المجتمع ويترسّخ هذا السلوك فيهم. لا بدّ من تعليم أطفالنا التعاطف مع الآخرين، لا بدّ من أن نتمسك ببعض القيم الإنسانية ونزرعها في نفوسهم. قبل أن نصل إلى ما لا تُحمَد عقباه. علّموهم إن رأوا طفلاً يجلس بمفرده أن يختاروه صديقاً ويشجعوه، علموهم إن رأوا شخصاً مختلفاً أن يقبلوا اختلافه ويحترموه، علّموهم إن رأوا حالة تنمر أن يتدخلوا ويخبروا شخصاً مسؤولاً وأن يدافعوا عن المظلوم..
ما زلتُ أذكر ذاك الطفل الصغير الذي لم يرني، وكان يسخر من ابنتي التي تعاني من اضطراب طيف التوحد قائلاً لباقي الأطفال “أنظروا كيف تنظر إلينا، إن نظراتها مخيفة!”. فاقتربتُ منه وسألته “ما المخيف في ابنتي؟”. أجاب مرتبكاً “عيناها كبيرتان”. أجبته “عيناها جميلتان جداً، وابنتي جميلة جداً، عيناكَ أنتَ بشعتان لأنك لا ترى جمال الآخرين من خلالهم”. كان صغيراً على هذه الرسالة، لا أدري إن فهم شيئاً مما قلته. علّموا أطفالكم أن يروا الكون بعيون جميلة، سيحدث ذلك فرقاً جميلاً في هذا الكون البشع.
سماح خليفة