كيف نشفي جراحنا النفسية والعاطفية
لقد تعرضت للجرح من جديد. عندما كنت صغيراً، تألمت، تألمت لدرجة لم أجد أي خيار إلا أن أحمي نفسي من الألم. اختار قلبي النازف أن يدافع عن نفسه، أن يشيّد قلعة كبيرة حوله. لكي أتأكد أنني لن أعيش ثانية هذه المعاناة، حشد قلبي عند المدخل، جيشاً من الجنود الصغار. هذا الجيش على أهبة الاستعداد للحرب في حال الهجوم. وهم يعرفون كلمة السر : لا تتركوا العدو يدخل بأي شكل كان. إذن فكلمات الآخرين لا تملك سوى أن تتحطم على الجدران الحجرية الكبيرة التي أحاطت بقلبي. ولكن يحدث أحياناً أن تكون بعض العبارات قوية جداً لدرجة أن تجد لها طريقاً بشكل ماكر وتضرب في أعماق الصدر.
في هذه اللحظات، تستيقظ ذاكرتي. الألم الذي يعود إلى الحياة يكون حاداً إلى درجة لا يعود معها محتملاً. عندها أنطوي على نفسي داخل قلعتي أكثر قليلاً. أدعمها، أشيّد جدراناً أخرى، حواجز أخرى، وآمل هذه المرة أن يكون اجتيازها متعذراً.
في هذه الحالة، لا يعود العدو قادراً على أن يراني، لا يعود قادراً على أن يبلغني. باستثناء أنني خلف هذه المتاريس، أشعر بنفسي وحيداً لدرجة مرعبة. أودّ كثيراً أن أمنحك حق الوصول إلى ما أنا عليه حقاً، إلى هذا الكائن الذي يختبئ خلف قناعي، خلف الدرع السميك الذي أصبح حمله ثقيلاً جداً. لكن من يضمن لي أنك لن تخونني أنت أيضاً ؟ من يضمن لي أنك لن تستغل قابليتي للانجراح، عندما أجرّد نفسي من كل ما يغطيها ؟ لا أستطيع أن أتحمل معاناة إضافية. أرجوك، ساعدني…
الرغبة في حماية نفسك هي ردة فعل طبيعية، وخصوصاً عندما يغمر الخوف كينونتك. إنها غريزة حب البقاء هي التي تتغلب. لكن عندما تتذكر الحقيقة عن من أنت، لن تعود بحاجة للاختباء، بما أنك ستعرف أن العالم يدعمك. وأن هناك فريق عمل حاضر، متواجد في كل لحظة بجانبك. وأن الحماية التي يؤمنها لك تتجاوز كل ما يمكن أن تتخيله.
الآن سوف نسبح معاً عائدين إلى نبع معاناتك. ما الذي يجعلك هذا تشعر به ؟
الرفض، الظلم،الإذلال، الخيانة، التعلق.
من الذي يجعلك تشعر بهذه الانفعالات ؟
- الأشخاص الذين أكون على علاقة معهم.
هل تعتقد أنهم يريدون أن يسببوا لك الأذى بشكلٍ واعٍ. - سؤال جيد… لا أنا لا أعتقد.
وهل تعتقد أنك سببت لهم الأذى، أنت أيضاً، بالمناسبة ؟ - بالتأكيد، بدون أن أريد هذا.
لهذا أنت تحمي نفسك من كل شيء. لا أحد يرغب في أن يعاني، ومع هذا انت تسبب لنفسك الألم من دون وعي. ما دمت لم تعِ بعد السبب الإلهي وراء كل علاقة، فأنت ستصطدم دائماً بنفس المشكلة. أنت ترتدي درعك أينما ذهبت ومهما فعلت. هدف العلاقة البشرية هو أن تساعدك على النمو وعلى الشفاء من جراحك. عندما يجعلك شخص ما تعاني، فهذا يعني أنه يشير بإصبعه إلى موضع الألم.
هذا الجرح يمثل حدود القدرة على الحب عندك.
“إذا رفضتني، لن أنظر إليك بعدها بنفس الطريقة. إذا كنت ظالماً تجاهي، ستسقط من عيني. إذا خنتني، سأغلق قلبي إلى الأبد. لأنني لن أستطيع أن أحب أحداً يذلني، يتخلى عني ويرفضني”.
الوعي لهذه الطريقة “السلبية” في التفكير هو الخطوة الأولى نحو التحرر. إغلاق قلبك لكي تمنع نفسك من المعاناة لا يمكن أن يشفيك. ما يشفيك هو أن ينتبه وعيك إلى آلية الدفاع وأن ترى أن هذا لن يجعلك أكثر سعادة، بعكس ما تعتقد “الأنا” عندك. لهذا، فمن الطبيعي أن تحمي نفسك، أن تنقطع عن مشاعرك. أن تهاجم، أن تردّ وأن تتفاعل تجاه المحنة. بينما الأنا خاصتك لا تستطيع الاعتراف بأن هذا لن يجلب لك إلا معاناة إضافية.
كل ما يرغب فيه الكائن البشري هو أن يكون محبوباً ومقبولاً، لما هو عليه. والهدف النهائي الذي ستبلغه البشرية، هو المحبة غير المشروطة. الطريق الذي عليك سلوكه لبلوغ هذا الهدف هو، بالدرجة الأولى، أن تتعلم كيف تحب نفسك وتتقبلها بشكل غير مشروط، بعيوبها وحسناتها. بضعفها وإخفاقها وشوائبها، بجهتي الظلام والنور منها.
هذا ما سوف يعالج جراحك، بما أنه حيث يوجد الحب والقبول، ليس هناك مكان للمعاناة والخوف. هذا هو الطريق الذي يجب أن تسلكه ابتداءً من اليوم. انفتح على العالم بدل أن تنطوي على نفسك. قلعتك الحجرية لم تعد تفيدك في الوقت الحاضر. أسقط المتاريس الواحد تلو الآخر. انظر مباشرةً في عينيّ جراحك، وشاهد أنها ليست إلا رمز خوفك. الخوف من ألا تكون محبوباً، من ألا تكون بوارد أن تحب مرة أخرى. تقبل مشاعرك وسامح نفسك، وكذلك أولئك الذين جرحوك. سامح نفسك لأنك لم تحب ذاتك، من اجل الشخصية الرائعة التي أنت عليها. سامح الذين جعلوك تعاني لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يفعلون. واسمح لنفسك بأن تشع بالفرح والحب والنور من حولك.