أسئلة أطفالنا المحرجة: سواء أكان الأهل منشغلين أم لا، يمكنني أن أؤكّد أن جميع الآباء والأمهات، في وقت من الأوقات، قد وجدوا أنفسهم عاجزين عن التعامل مع الأسئلة “المُحرجة”، بل الوجوديّة، التي يطرحها طفلهم.
أسئلة أطفالنا المحرجة: التعريف بها
ليس هناك من تعريف واضح أو محدّد للسؤال المحرج، باستثناء أنّه يطرح دون سابق إنذار، ويُشعر بالإحراج، أو يسبّب الذعر الكبير للأهل، الذين يُتوقّع منهم الإجابة. ودائمّا يأتي في الوقت الذي لا نتوقّعه. في غرفة الإنتظار (الهادئة) عند طبيب الأسنان مثلًا، أوعندما نكون على الخط السريع على الطريق.
ومن بين الأسئلة المحرجة، هناك الأسئلة التقليديّة المتعلّقة بموضوع الجنس، التي تكون مباشرة إلى حدّ ما، ويكون الهروب من الإجابة عليها متفاوتًا من حيث السهولة. ولكن بشكل عام، تسبّب هذه الأسئلة الشعور بالتوتّر الخاص بكل والد/والدة، وبنظرتهم لموضوع الجنس بشكل عام. ونجد ضمن هذه المجموعة، على سبيل المثال، الأسئلة التقليديّة الرئيسيّة:” من أين يأتي الأطفال؟”؛ “عندما يعطي الأب بذرته للأم، هل يسبّب ذلك الألم؟”. أو ربما أكثر تعقيدًا من ذلك: “هل الصعود إلى السماء السابعة مشابه للصعود إلى السماء؟”
وكذلك هناك الأسئلة ذات الطابع السياسي:
“أمي، هل أنت مع أو ضد حركات الاحتجاج؟”؛ “لمن أعطيت صوتك ليكون رئيسًا؟”؛ لماذا هناك حرب في العالم؟”.
وكذلك بالطبع لا يجب أن ننسى أسئلة المعرفة التي تتحدى ذاكرتنا، وثقافتنا، وذكاءنا وتهدّد أحيانًا غرور المعرفة لدينا. ومثال على ذلك: “كيف يتشكّل قوس قزح؟”، “كم قمر صناعي يوجد حول جوبيتير؟”لماذا نقول إن الأشجار تنتج الهواء النقي للإنسان؟”، “في أي عام ولد نابليون؟”. وكأن تاريخ ميلاد نابلبون هو شيء يتذكّره جميع الراشدين حتمًا! نعم بالتأكيد، فلقد تابعنا جميعنا بإهتمام كبير دروس التاريخ عندما كنّا في المدرسة… بالطبع لا، لم نكن يومًا نجتمع لنثرثر أثناء الدروس!
إسألوا غوغل، وسيجيبكم…
هذا ما يقال، وأخيرًا يوجد إجابات صحيحة لجميع هذه الأسئلة. فهي أحيانًا من الصعب شرحها، وإيجادها، وتشاطرها، ولدينا أحيانًا (غالبًا؟) ميل للتهرّب منها لا يمكن سيطرته… ولكن عندما نكون قد استخدمنا طرق التهرّب التقليديّة مثل “من الأفضل أن تسأل والدك” أو ” انتظر، فأنا أركّز على الطريق، أقترح عليك أن نتحدّث عن هذا الموضوع لاحقًا (مما يعني بعد مئة عام)”، ونقول إنّه دورنا كآباء أن نشرح هذه الأمور.
بصفتكم أبطالاً خارقين بالنسبة لطفلكم، تحاولون أن تشاركوه “المعرفة” بشفافيّة ومن دون إظهار مشاعر انفعالية. ودون إظهار موقف حاسم من الممكن أن يؤدي إلى معتقدات محدودة لاحقًا. وخصوصًا… نفعل كالآخرين، نلجأ إلى غوغل من أجل البحث عن الكلمات! أو نذهب إلى المكتبة لشراء كتاب يتناول جسم الإنسان مع مضمون يلائم الأطفال. حسنًا، وأخيرًا، لقد عمل المتخصّصون في الطفولة المبكرة بجهد كبير من أجل كتابة الكتب، والمقالات، وإنجاز الرسومات. علينا أن نتضامن معهم ونحترم عملهم الإحترافي!!
عندما نستعين خاصةً بمعرفة الخبراء، نتجنّب التلعثم، وإرتكاب الأخطاء، أو استخدام الإستعارات السيّئة. أو التردّد والخجل عند إنهاء إجابتنا غير المفهومة والمربكة بعبارة “وبالطبع إذا كان لديك أسئلة أخرى، لا تتردّد في طرحها “.
أسئلة أطفالنا المحرجة والوجودية
في النهاية، إن أسئلة أطفالنا “المحرجة” الحقيقيّة، هي أسئلة الفلسفة، وبخاصةً الأسئلة الوجوديّة. هذه الأسئلة الكونيّة والتي يطرحها الجميع، ولكن ليست لها حقيقة مشتركة. هذه الأسئلة التي جميع الإجابات الممكنة عليها تكون مثيرة للجدل، وحتى متناقضة أحيانًا. إن السؤال الوجودي هو ذلك الذي طرحه ولدنا، الذي يبلغ من العمر خمس سنوات، علينا يومًا ما: “أمي، أبي، لديكم والدين، ولديهم والدين الذين هم بدورهم لديهم والدين.
ولكن الإنسان الأوّل على الأرض، ألم يكن لديه والدين؟” عندها نحتاج إلى خمس ثوان من أجل تخطّي الصدمة “فعمره خمس سنوات فقط!!”. ومن ثم نتماسك بسرعة ” حسنًا، إنه ينتظر الإجابة، الآن!” وفي النهاية نتخذ القرار: كعارفين، أحيانًا نعترف أننا لا نعرف! وعندها نشعر بالإحباط لأننا لم نرتقِ إلى مستوى صورة البطل الخارق الذي يعرف كل شيء عن كل شيء. أو ربما ندخل في تفسير وهمي مربك، من الطبيعي أن نعرف أنه لا يمكن أن يكون الحقيقة. إن هذه الأسئلة الوجوديّة تشكّل تحدّياً حقيقياً للآباء، أليس كذلك؟
نصيحتي للإجابة على الأسئلة الوجوديّة
حسنًا، أتشاطر معكم نصيحتي من أجل التفاعل مع أطفالي حول هذه الأسئلة: إنني ببساطة أُغيّر وجهة التعاطي مع الموضوع، وأنتقل من موقع العارف إلى موقع مدرّب التفكير.
فالهدف لم يعد إعطاء الإجابة على الأسئلة الفلسفية، وإنّما خلق الحوار. إن هذا الموقف الحيادي خلال تبادل الحوار يسمح بتنمية تفكير طفلكم، ونظرته للأمور، وتمييزه. وندرك أيضًا أن لديه أحكاماً مسبقة، ومعتقدات محدودة، يمكننا إعادة النظر بها. إن الطريقة المثلى تكمن ببساطة في إعادة صياغة العبارات أو الإنتقال إلى طرح أسئلة أخرى، ولكن من دون إبداء رأيكم مباشرةً.
مثال على تطبيق ذلك
تجربتي المباشرة مع ولدي: أنا: “ما هو الحلم؟”. جواب إبني: “هو شيء تريده بالفعل ولكن من المستحيل الحصول عليه”. يا لها من صدمة، لم أكن أتخيّل أن ابني لم يكن يعتقد أن بإمكانه تحقيق أحلامه. بإختصار، إعادة صياغتي للعبارة كانت “كما فهمت، لا يمكن للحلم أن يتحقّق؟”. وأكملنا هذا النقاش البنّاء والغني لبضع دقائق.
جرّبوا: إنها لحظة نقاش رائعة. يا لها من فرصة جميلة من أجل مرافقة طفلكم في طريق تنمية أفكاره، ألا تعتقدون ذلك؟
وأنتم، ما هي الأسئلة الوجودية التي طرحها أطفالكم، وكيف أجبتم عليها؟
