ما الذي يحسن سلوك الأطفال ويخرجهم من الأنانية؟
كيف تحسن الحكايات سلوك الأطفال:
يتخطّى الولد، بفضل الحكايات، دائرة ذاته الضيّقة والمسلك الأناني الذي يسلكه هو أو تسلكه عائلته. وتعود إمكانيّة التخطّي هذه، على وجه التحديد، إلى أن الولد يتماثل مع بطل القصة. وقد كتبت «مارت روبرت» في مقدمة كتاب «حكايات» للكاتب «غريم» ما يلي: «تعرض الحكاية على الولد صورة عن العائلة البشريّة، ومملكة الحكايات ليست سوى عالم العائلة المقفل والمحدود». ويتابع الكاتب: «وتصف الحكاية، بشكل أساسي، العبور من سنّ الطفولة الى سنّ النضوج وهو عبور ضروريّ وعسير في آن واحد، تعترضه عوائق عدّة».
مملكة، ملكة وملك. جُحر وعائلة أرانب. تسقيفة وعائلة فئران … هذا يكفي لبناء حكاية وتدوينها وبلورتها. أليست المملكة كما الجُحر أو التسقيفة، هي أيضاً، استعارة لنفسيّة الولد؟ أليست مسرحاً للنزاعات العائليّة؟ إنّ هذه الأمكنة هي التي تساعد الولد على التماثُل ثم على التعبير عمّا يجري في داخله من نزاعات.
وبفضل هذه الحكايات ـ تلك التي تستهويه ـ، يخرج الولد شيئاً فشيئاً من جُحر القلق ويكفّ عن الشعور بالذنب وعن تكرار الأفكار السوداء التي تجعله ينطوي على ذاته أكثر فأكثر.
تشبه الحكاية ضوءاً صغيراً في الظلام. هي تهمس إلى الولد بأنّه ليس وحيداً في الغابة المظلمة، كما أنّها تساعده على وجود مخرج أو على تضميد جراحه الأولى. وإذا منع الأهل أولادهم من قراءة الحكايات المخيفة بحجّة وقايتهم من الخوف، فإنّهم في الواقع يسلّمونهم للواقع الأليم فيجابهونه دون أي حماية.
هل هي حكاية حقيقيّة… أم هي خرافة؟
«أهي حكاية حقيقيّة؟»، هذا ما يسأل الولد وقد بدا عليه الشغف بهذه الحكاية.
ـ «طبعاً، إنها حقيقيّة ولكنّ أحداثها جرت منذ زمن بعيد جداً».
بشكل عام، يحتار الأهل بأمر الإجابة على هذا السؤال لا سيّما إذا كانت الحكاية تروي أحداثاً مخيفة جداً كما في حكايات الجنّ التقليديّة. فإنّ حقيقة الحكايات هي مميّزة: إنها حقيقة تخرج عن مفهوم الزمن، هي حقيقة لكلّ زمن، سارية الفعل في الماضي والحاضر والمستقبل وهي تَستعين في ذلك بآليّة اللاوعي والانفعالات وغيرها.
أما اللغة الوحيدة التي تستهوي الأطفال فهي لغة الخيال. ولقد كتب برونو باتالهايم (Bruno Bettelheim) في كتابه حول التحليل النفساني للأساطير ما يلي: «يزعم البعض أن الأساطير مُفسِدة لأنّها لا تبيّن الصورة «الحقيقيّة» لواقع الحياة […]. ولكنّ «الحقيقة» في حياة الأطفال قد تختلف تماماً عمّا هي عليه في حياة الكبار».
لغة الواقع
هل نتكلم حقاً مع أولادنا؟ ما هي الرسائل التي نوصلها إليه عندما نكلّمه في نهاية يوم كان حافلاً بالضغوطات؟
عندما نعود إلى المنزل، في المساء، ونحن متعبين عصبييّن ومعدمي الصبر، نتكلّم إليه بلغة «الواقع»: «هل كتبت فروضك»؟ «هيّا إلى المائدة، الطعام جاهز!»، «نظّف أسنانك!»، «رتّب غرفتك»، «هيّا، بسرعة، فأنت ذاهب إلى المدرسة غداً!» الخ…. وإذا احتجّ الولد أو بكى، نواجهه بالقول: «كفى، ألا ترى كم أنا تعب (ة)؟». إنّ كل ذلك يهدف إلى منعه من طرح الأسئلة، كما أنّ مجموعة هذه الملاحظات والأوامر وعبارات اللوم ليست «ظريفة»!
ماذا لو تكلّمنا معهً لغة أخرى؟
المصالحة الكبرى!
ما هو الكلام الذي نستطيع اللجوء إليه فيما لو ساءت الأمور وتشاجرنا، فضايقونا وصرخنا في وجههم، أي كلام نعتمد؟ أنعتمد لهجة «الأهل ـ الأصحاب» التي قد تعكّر الأجواء، أم لهجة الأهل ـ القساة التي تكلّمنا عنها سابقاً؟
أما الحكاية فقد تكون لنا بمثابة استراحة المحارب إذ نجلس معاً ونقرأ ونسرح في البعيد فننسى كل شيء، لبعض الوقت.
الانفعال يوصل الرسالة
في حكاية «تفاحة»، الهرّة الصغيرة التي كانت تعيش في عالم مستدير الشكل، نجد الكلام العادي والكلام المسموح به أو على العكس، الكلام غير المسموح به..
ماذا يعني الكلام المسموح به؟ هو بالطبع يعني الكلام الاجتماعي وأحاديث الصالونات، الخطاب المعقّم الذي نرتاح إليه، نحن الكبار. كأن نقول مثلاً: «أنت رائع ويبدو على وجهك الارتياح … كيف حالك؟»
ـ تمام، كل شيء على ما يرام.
وعلى العكس من ذلك، فإن الحكايات وقصص الأطفال لها وقع في الخيال كما لو أنّها تفتح ثغرة أعمق بكثير من تلك التي تفتحها «الكلمات المسموح بها». فالكتب فيها الكلام المختلف، «اللاّاجتماعي»، المحمّل بالانفعال وبالموسيقى؛ هذه هي اللغة الوحيدة التي قد تهزّنا وتهزّ معنا أولادنا لأنّها تمتنع عن الرموز وتبغي الحقيقة.
إنّ الأطفال الذين يشتمّون رائحة الكتب هم على حق: فالكتاب هو فعلاً مفتاح للدخول إلى العواطف الغنيّة التي بها يشفى الطفل. فالأطفال يعلمون أنّهم سيرتجفون مع «الخنازير الثلاثة الصغيرة» ـ حكاية تبيّن عدة مخاوف من مخاوف الأولاد ـ أو يبكون مع «بائعة الكبريت» أو يغتاظون مع «سندريلا».
وتفتح الانفعالات طريقاً لمرور الرسالة. ولكن، حذار! إن حكاية تُحكى بدون أي انفعال أشبه بخطاب بارد أو بكلام اجتماعي أو كلام عقلاني كثيراً ما يستعمله الكبار. أما الأولاد، فهم يتكلّمون بطريقة مختلفة.
موقع التربية الذكية يسألك هل لديكم أفكار أخرى عن ” كيف تحسن الحكايات سلوك الأطفال” . يمكنكم الإجابة في التعليقات