تخلي الأم عن طفلها بعد الانفصال ظاهرة جديدة تنتشر: ما سببها وما تأثيرها على الطفل
سأل طفل الخمس سنوات جدته وهو شارد الذهن كأنه يحمل هموم الكون فوق أكتافه “مع مَن سأسكن الآن؟” فاحتضنته وبكت.
هذا هو حال الأطفال الذين يتفق أهلهم على الانفصال تاركين ذكريات جمعتهم لسنوات ومنزلاً كان من المفترض أن يتّسم بالدفء والمودّة وطفل.
المأساة لا تكمن هنا. فبعض الأحيان يصبح الطلاق أفضل من الاستمرار في الحياة الزوجية، ويصبح المنزل جحيماً وتطغى على الأحاديث مستويات حادة من التجريح، ناهيكم عن العنف المنزلي. ولا بد من ذكر أن العنف المنزلي لا يقتصر على العنف الجسدي أو الضرب، فربما يكون العنف المعنوي أشد تأثيراً على النفوس أحياناً، بحيث أن بعض الكلمات تترك صدىً في الذاكرة لا يخفت مع مرور الوقت بل يعلو أكثر فأكثر، بعض الكلمات تكسر كل شيء، تكسر الحب، تكسر الثقة، تكسر النفس…
إلا أن المأساة تكمن في الظاهرة الكارثية المنتشرة حديثاً، تخلي الأمهات عن أطفالهم!!
كثيراً ما تسمعون عن المرأة التي تقاتل وتكافح للحصول على حضانة أطفالها. لكننا اليوم نسمع أكثر عن الأمهات اللواتي يقلنَ “أريد الطلاق، وخذ أطفالكَ معك”. هو تجرّد من كل معاني المحبة والقيم، وتجرّد من الإنسانية بحد ذاتها، فالأمومة أسمى معاني الإنسانية، إن ماتت مشاعر الأمومة مات كل شيء.
حين يسمع الطفل عبارة خذ طفلك معك!
يشتد الخلاف، تعلو الأصوات، ينعزل الطفل في أحد زوايا المنزل غير قادرٍ على استيعاب هذا الموقف الكبير الذي يدوي كالإعصار على قلبه الصغير. يغمض عينيه علّه كابوساً سيصحو منه بعد قليل، يغلق أذنيه علّه يخفف من حدة آثار الكلمات على نفسه. إلى أن يسمع عبارة “طلقني، وخذ طفلكَ معك”. إليكم بعض الأفكار السريعة التي تراود طفلا صغيراً حين يسمع هذه العبارة “ألا يُفترض أنها تحبني؟ إن كانت تحبني كيف لها ان تقول هذا؟ هل ستتركني حقاً؟ مَن سيقوم بإطعامي؟ كيف سألبس ملابسي لوحدي؟ أين سأذهب؟ مَن الذي سيترك المنزل؟ أمي أو أبي؟ أين سأعيش؟” أسئلة لا يمكن لعقل راشد أن يتمكّن من تحمّل وطأتها على النفس.
أسئلة لا تناسب عمر طفل لا يعرف سوى حضن ولادته مأوىً. حرفياً، ودون أدنى مبالغة.. هذه العبارة تدمّر طفلك.
تخلي الأم عن طفلها قد يحطّمه
الأم تحديداً تشكل مصدر الأمان لطفلها، مصدر الحب والثقة والطاقة الإيجابية. بالتالي فإن تخليها عنه سيؤدي إلى:
- إضعاف تقديره لذاته: “هل أنا لا أستحق الحب؟ هل أنا لا أستحق أن تعيش أمي معي؟ هل أنا ولدٌ سيء إلى هذا الحد؟” بعض الأسئلة التي قد تراود طفلاً حين يجلس في غرفته وحيداً في المساء، بعد أن ينتهي ضجيج النهار الذي يحاول عبره إخفاء ما بداخله عن الجميع.
- تراجع طفلك في الأداء الدراسي: تنادي المعلمة على أحمد، مرة واثنتان وثلاثة. أحمد لا يرد، هو في عالمٍ لن تدرك مدى تعقيده على طفلٍ بعمر الخمس سنوات. يفكّر بأسباب انفصال والديه، بحزنه، باشتياقه لأمه الذي لا يستطيع التعبير عنه.. أحمد لن يرد على إسمه حتى، أحمد بالكاد يستطيع أن يكمل يومه حتى نهايته دون أمه!
- فقدان الثقة بكل مَن حوله: حين تقرر الأم التخلي عن طفلها، بعد أن كانت تقول له أنه كل الكون بالنسبة لها، فهذا لا يعني بالنسبة لطفلٍ صغير سوى أمر واحد “أمي كانت تكذب علَي”. بالتالي يفقد الطفل الثقة بها، وبما أنه من الطبيعي أنها تمثل أقرب شخص إليه، فمن الطبيعي أن يفقد الثقة بكل الناس، بعد هذه الصدمة التي لن ينساها طيلة حياته.
- مهما كان طفلكِ محاطاً بأشخاص يحبونه، فهو سيشعر بوحدة قاتلة: أوّل شخص يلجأ إليه الطفل حين يقع في مأزق هو أمه. أوّل بئرٍ لأسرار الطفل، وأول شخص يخطر في باله حين يحتاج إلى الأمان هو الأم. أوّل صديق وأوّل معلّم وأوّل مصدر حب هو الأم. مهما تعرّف على أصدقاء، ومهما كان الآخرين حوله يحاولون تعويضه عن الفراغ الذي سيشعر به، لن يتمكنوا من القضاء على الوحدة القاتلة التي تسيطر عليه.
- تراجع طفلكِ سلوكياً: “أمي تخلّت عني، كنتُ أحاول أن أكون طفلاً صالحاً لأجلها، لقد خسرتها، لم يعد هناك ما أخسره. لقد تخلّت عني، يجب أن أنتقم، سأفعل كل ما كانت تمنعني عنه. وسأدمر كل ما كانت تحبه كما دمّرتني” لن يقول الطفل هذه الكلمات طبعاً. لكن هذا ما سيشعر به. سيتراجع سلوكياً بشكل سريع جداً. وسيتخلّى عن كل القيم التي تعلّمها من أمه.
هل من أسباب قادرة على تبرير تخلّي الأم عن طفلها؟
- “كرهت زوجها، فكرهت كل ما يتعلّق به، حتى طفله!!” هذا ما قالته إحدى الأمهات اللواتي مررنَ بهذه التجربة. نعم لا تتفاجأوا. هذا أحد الأجوبة التي سمعناها مراراً كمحاولة لتبرير التخلي عن الطفل. لكنه حتماً لا يبرر فعلاً كهذا! وما معنى عبارة طفله أصلاً؟ الطفل ليس ملكاً لأحد، أو قطعة أثاث قديمة نتخلى عنها حين نشاء. وما المنطقي في أن تكرهي جزءاً من روحكِ مهما كانت معاناتكِ عظيمة؟ وإن كانت حياتكِ مع والده جحيماً فهذا يعني أنه لم يستطع الاهتمام بك واحترام مشاعرك، فكيف لكِ أن تتركي طفلكِ بين يديه؟!
- الطفل سيعيق حياتي: هذا مبرر آخر، لامرأة اكتشفت أنها ترغب في أن “تعيش حياتها” بعد أن أنجبت طفلاً، واعتبرته عائقاً لاستمرارية حياتها. وما المشكلة؟ تغرمين برجل.. تتزوّجينه.. تنجبين طفلاً.. ثم تقررين الانفصال وتتركين الطفل وتكملين حياتكِ بشكلٍ عادي. هل نسيتِ شيئاً؟ صحيح لقد نسيتِ طفلكِ! لا تسير الأمور بهذا الشكل، رجاءً، تأكدوا من تعويض النقص الذي تشعرون به قبل اتخاذ قرار بالارتباط وإنجاب طفل!
- لن يوافق أهلي على استقباله: “حسناً هنا بدأت الأمور تبدو أكثر تعقيداً”، ربما الحياة الزوجية لم تعد تُطاق، لكن أهلها لن يوافقوا على استقبالها مع طفل. قد يكون هذا مبرراً منطقياً. لكن على الأقل يجب ألا يشعر الطفل بأن أمه لا تريده، وأن يفهم أنها ستبقى إلى جانبه حين يحتاجها رغم الانفصال.
مهما كانت الأمور صعبة، حاولوا ألا تجعلوا أطفالكم شماعة تعلقون عليها مشاكلكم النفسية.
كما يجب على كل شخصين أن يفكّرا قبل الإقدام على خطوة بهذه الأهمية أي قبل إنجاب طفل:
- أن يتأكدا أنهما مرتاحين مادياً وقادرين على إعالة هذا الطفل بشكلٍ لائق ومقبول.
- وأن يعيشا لفترة لا بأس بها معاً أقلها سنة قبل إنجاب طفل، ويكتشفان أسوأ ما في بعضهما ثم يقرران الاستمرار معاً أو الانفصال.
- أن يخوضا كل التجارب التي يعتبران أن طفلاً قد “يعيقها”. الدراسة الجامعية، الحب، تحقيق الذات، العمل، تجارب المراهقة… أياً كان ما يعتبر الشخص من خلاله أنه “يعيش حياته”… قبل الارتباط والانجاب.
- أن يتأكدا أنهما مؤهلان لتربية طفل. ليت هناك اختبارات للأهل قبل الحمل والولادة، للتأكد من مدى استحقاقهما لنعمة بهذه الروعة والرقة.