حين يرفض طفلكم أن يتصرف كما تريدون. هل يعني الأمر أنه غير مهذب

0

حين يرفض طفلكم أن يتصرف كما تريدون:
دعوني أقصّ عليكم حكاية حدثت لي مؤخّراً مع ابنتي التي تبلغ من العمر سنتين ونصف. لقد أقامت ابنتي أوّل صداقة لها مع كلويه، وهي رفيقة لها في الثالثة من عمرها. بين الحين والآخر نصطحب أنا ووالدة كلويه الصغيرتين إلى دوّامة الخيل الخشبية، وهي لعبتهما المفضّلة، خصوصاً إذا كانتا معاً. فتتسلّيان كالمجنونتين وتطلقان العنان لنفسيهما فتتحرران من الضغوط والتوترات المتراكمة طوال النهار. فبعد عدة ساعات تمضيانها في دار الحضانة، تشكّل هذه الفترة من التسلية والراحة المكافأة الأجمل لآنستَينا الصغيرتين.

  • أيتها الفتاتان، دورة واحدة بعد، ثم نذهب.
  • أجل!

توقّفت الدوّامة، فأمسكت الفتاتان الواحدة بيد الأخرى وتردّد صدى ضحكاتهما طوال الطريق إلى سيارتينا.

  • حبيبتي، قولي إلى اللقاء لرفيقتك كلويه!

تعانقت الفتاتان وراحتا تقبّلان بعضهما ثم اندفعت كلويه إلى ذراعَيّ لتقبّلني أنا أيضاً. عندئذٍ، قالت أمّها، التي لم تكن ربما لتقبّل ابنتي بصورة عفوية:

  • أنا أيضاً أريد قبلة يا نينا!

لكنّ ابنتي تراجعت واختبأت بين ساقَيّ في محاولة لتفادي القبلة.

  • قبّلي والدة كلويه يا حبيبتي!
  • لا أريد، تمتمت الصغيرة.
  • ولكن، حبيبتي، ماذا يعني هذا؟ قبّلي والدة كلويه!
  • كلا!

وأخفت فمها وراء أصابعها الصغيرة، التي راحت تفتلها وتلويها بحركة مستمرّة.

  • نينا، قبّلي والدة كلويه!
  • لا يهم، ستفعل ذلك في المرة القادمة!
قالت ذلك والدة كلويه ممسكة بيد ابنتها، وقد تكدّرت ربما بعض الشيء.

لقد فهمت أن إصراري على إقناع ابنتي «بتقبيل السيّدة» كان خطأً كبيراً. ولكن على غرار الكثير من الأمهات في مثل هذا الموقف، لم أتصوّر نفسي أقول لها مثلاً: «حبيتي، لا تقبّلي والدة صديقتك إذا كنت لا ترغبين في ذلك!» إذ يعني ذلك ضمنياً: «إذا كنت لا تحبّينها!»
هذا خطأ. كان من المفروض أن أنقل لها هذه الرسالة بالتحديد. لكنّ آداب السلوك أوقعتني في الشرك. بعد مرور الحادثة، أشعر بالرضا لأن طبعها المستقلّ وشخصيتها القوية قد دفعاها إلى عدم إطاعتي فبقيت أمينة لانفعالاتها ومشاعرها الشخصية. هذا هو الأمر الأساسي الجوهري وستفهمون للتو سبب ذلك. لم تكن ابنتي عديمة التهذيب، لأنها تمتمت «إلى اللقاء» لوالدة صديقتها. فلماذا وجب عليها أن تقبّل تلك السيّدة إذا لم تكن تشعر بالرغبة في ذلك؟

كونها ليست بخيلة عادة بتوزيع قبلاتها، كان عليّ أن أتوقّف عند تصرّفها. لكنني لم آخذ ذلك بعين الاعتبار. لماذا وجدت نفسي مضطرة إلى دفعها إلى تقبيل والدة كلويه؟ لكي أتّبع العادة السائدة؟ ولكي لا أصدم السيدة أو أثير حفيظتها؟ لكي لا أجرح إحساسها؟ ولكن ما هو المهم حقاً، العادات أم ابنتي؟ أترككم لتجدوا وحدكم الجواب الصحيح!
ليست القبلة علامة تهذيب

أين يتوقّف التهذيب وأين يبدأ الاحترام؟

كثيراً ما تسبّب عفوية الأولاد الإحراج للراشدين الذين يجهدون للسيطرة على انفعالاتهم لكي يقدّموا أفضل صورة عن أنفسهم في المجتمع. ولا يهمّ إن كانت تلك الصورة هي أيضاً الصورة الأكثر خبثاً.
يعبّر الولد عما يشعر به من دون أي خلفية. فليس لديه حسّ المجاملات واللياقات الذي يكتسبه الراشدون شيئاً فشيئاً، أو ذلك الخبث الاجتماعي والطبقة من الطلاء اللمّاع التي تحافظ على المظاهر. وتزعج عفوية الطفل الشخص الراشد الذي اعتاد أن يكبت رد الفعل هذا منذ أقدم العصور. والوالد (أو الوالدة) الذي يحمّل ولده رغباته الشخصية وآماله يشعر بالذنب وحتى بالخجل حيال تصرّف ولده، فيحمرّ وجهه هو ويستاء هو.

ولكن ماذا يحدث إذا عكستم الأدوار ولو للحظة؟ هل أنتم مستعدّون، أنتم الأهل، أن تقبّلوا، باسم اللياقة، أشخاصاً تصادفونهم بين الحين والآخر ولا تشعرون بأي ألفة تجاههم؟ كلا طبعاً! فلماذا تجبرون أولادكم إذن على التصرّف بهذه الطريقة؟ تقومون بذلك لأن أهلكم قد فعلوا ذلك معكم! لأنهم لم يحترموا ما تشعرون به وما لا تشعرون به! لأنهم أجبروكم على تقبيل السيدة العجوز التي لا تعرفونها والتي تفوح منها رائحة كريهة. كانوا بالطبع مخطئين. فالقبلة ليست علامة تهذيب أو لياقة، لكنّها دليل عاطفة. فالقبلات التي تغمرون بها ولدكم هي مظهر من مظاهر الحب. إنه العهد الذي أخذتموه على أنفسكم عند ولادته. لكنكم، فجأة، تطلبون منه أن «يقبّل السيّدة»، أي أن يُظهر حبّاً تجاه شخص لا يمثّل شيئاً مطلقاً في عينيه. هذا أمر لا يستطيع أن يفهمه. في ذهنه، أنتم تطلبون منه أن يحب تحت الطلب.

حين يرفض طفلكم أن يتصرف كما تريدون هل تعتبرون تصرفه قلة تهذيب؟ (موقع التربية الذكية)

اترك رد