أسبابٌ تجعلكِ تحتفلين بطفلك العنيد المشاغب كل يوم

0

أسبابٌ تجعلكِ تحتفلين بطفلك العنيد المشاغب كل يوم

بصفتي أمٌ لثلاث بنات إحداهن مصابة بالتأخر واضطراب طيف التوحد، دعوني أخبركم بعض الأمور التي تعلّمتها من طفلتي الكبرى بالتحديد.
أسمع الكثير من الأمهات يشتكين، إبني لا يهدأ، إبنتي تستمر بتخريب المنزل طيلة النهار، أولادي لا يكفون عن الطلبات اللامتناهية.. لقد تعبت. ويستفزني الأمر كثيراً.
حسناً من حقكِ أن تتعبي، ومن حقكِ طبعاً أن تعبري عما يؤرقكِ. لكن قبل أن تتفوهي بهذه الكلمات دعيني أخبرك بعض الأمور:

عن الركض خلف الأطفال طيلة النهار

صدقيني، إنها نعمة. بلغت ابنتي السنتين ونصف دون أن تمشي. زرتُ عدة أطباء عظام، آخرهم أخبرني أنها قد تحتاج عملية تطويل أوتار وقد لا تمشي نهائياً. إلى أن شاء الله ووجدتها تركض في المنزل دون سابق إنذار (طبعاً كنا ندعمها بجلسات فيزيائية وجلسات علاج حسي حركي). أخبريني الآن هل ما زالت كثرة حركة طفلك في المنزل تسبب لكِ الإزعاج؟

عن كثرة قول “ماما”

ابنتي لم تنطق بأي كلمة حتى بلغت الأربع سنوات ونصف. وحتى في هذه الفترة لم تكن تعرف كيف توظف الكلمات المحدودة التي تقولها ضمن معناها أو في مكانها الصحيح. أول كلمة ماما موجهة بشكل مباشر لي مع إدراك كامل ووعي كانت في حوالي عمر الست سنوات. كنتُ أبكي كل يوم، وأحزن حين أرى الأطفال ينادون على أمهم وابنتي عاجزة عن التعبير بالكلام، حتى أنني كنتُ أتساءل إن كانت تدرك أنني والدتها. اليوم أولادي الثلاثة ينادونني طيلة اليوم، وأرد بكل سعادة وهدوء حتى أن الناس بتهمونني بالهدوء الزائد وبأنني باردة من كثرة صبري عليهم. هل ما زالت تزعجكِ كلمة ماما؟

freepik.com
عن طلباتهم المتزايدة

سيدتي، ابنتي لم تكن تعرف كيف تطلب، فكانت تبكي طيلة الوقت لأنها عاجزة عن التواصل أو التعبير عما تريد. كانت تبكي لأنها تريد أن تأكل، ولأنها تريد أن تلعب، ولأنها تتألم، ولأنها خائفة، ولأنها تريد أن تشرب. كطفلٍ رضيعٍ لا يملك سوى البكاء وسيلة تعبير. كنتُ أحلم باللحظة التي تقول لي “أريد أن آكل”. أو حتى مجرد كلمة “ماء”. وحين كانت تمرض لم أكن أدرك ما يؤلمها، فأدور باحثة عن مشكلتها في عيادات الأطباء، أحياناً كثيرة دون جدوى، فأجلس بالقرب منها وأسألها ما بكِ أرجوكِ أخبريني، وأبكي. اليوم وبفضل الله بدأت تدرك كيف تعبر عن بعض حاجاتها الأساسية. أخبريني الآن هل ما زالت تزعجكِ طلباتهم المتزايدة؟

ابني مشاغب وعنيد

سيدتي إنها طبيعة الأطفال، هذا الأمر طبيعي تماماً. إن لم يكن كذلك فاقلقي. من الطبيعي أن يمر الطفل بمرحلة استكشاف يحاول فيها التعرف على كل ما يحيطه بتهوّر، من الطبيعي أن يمر بمرحلة عناد وتصبح عبارته الدائمة كلما وجهت إليه أمراً أو طلباً “لا”. الأمر طبيعي جداً. ما ليس طبيعياً، هو أن يبقى منزوياً طيلة اليوم رافضاً التواصل مع محيطه، لا يدرك كيف يتناول الطعام وحده، أو كيف يعبر عما بداخله، لا يهتم بشيء ولا يلفته شيء ويقضي ساعات وهو يمسك السيارة ويدير عجلاتها ويتأملها. لا يدرك لماذا تستخدم الشوكة أو المكنسة أو كيف يتم إمساك القلم، يرفض محيطه ويرفض كل محاولات التدخل لجعله يندمج مع هذا المحيط. دعيه يشاغب، دعيه يخرّب، دعيه يستكشف كل ما يحيط به.. ستتعبين قليلاً بل ربما كثيراً. لكن لا بأس، هذا التعب لا يوازي شيئاً أمام وجع الكثير من الأمهات اللواتي يحلمن بعشر ما يمتلكه طفلك.

ابني علاماته منخفضة

وما المشكلة؟ هل ستوصله شهادته إلى المريخ؟ وهل كل الأشخاص الذين لم ينجحوا في دراستهم فشلوا في حياتهم؟ هناك دائماً بديل في مكانٍ ما. لا تسمحي لذلك بأن يجعله يفقد ثقته بنفسه، ابحثي عما يميزه وشجعيه. ما رأيكِ إن أخبرتكِ أن ابنتي لا تعرف كيف يتم الإمساك بالقلم. وقد أصبح عمرها 7 سنوات وما زال تواصلها ضعيفاً جداً. هل أرفضها؟ هل ألومها؟ أو هل أقبع في زاوية منزلي حزينةً وأحبسها داخله وأبكي.

أنا أحتفل بابنتي كل يوم، أحتفل بطيبتها وبراءتها وجمالها، أحتفل بنعمةٍ وهبها الله لي تضاهي بنظري كل كنوز الكون. لم تتكلم بعد؟ لا بأس.. لا تقول أحبك.. لكنني أشعر بذلك في غمراتها. لا تقول ما بها لكنا عثرنا معاً على طريقة مؤقتة للتواصل عبر الصور. لم تتسجل في مدرسة كباقي الأطفال.. ما المشكلة؟ ليس عليها أن تكون كباقي الأطفال كي أحبها. يكفي أن تكون ابنتي.

احتفلي بطفلكِ كل يوم وأحبيه بسيئاته قبل حسناته. في بقاع هذه الأرض أمهات يحلمن بالحصول على طفل، وأمهات يرين أطفالهن يتألمون كل يوم. لا بأس ببعض التعب، يكفينا أن نراهم يبتسمون، يكفينا أنهم بخير.

سماح خليفة

اترك رد