طفلكم البالغ
إذا كنتم بعيدين عن ولدكم البالغ، وإذا أخرجكم ولدكم من حياته -سواء لفترة طويلة أو قصيرة -فهذه تجربة مؤلمة. عندما يبعدكم ابنكم عن حياته، فإن ذلك يثير لديكم مشاعر عميقة من الخزي والذنب والحيرة والأذى، وكل ذلك يمكن أن يتحول بسهولة إلى غضب. علاوة على ذلك، يمكن لذلك أن يثير أيضًا أسوأ شكوك لدى الانسان (بالطبع إن جيراننا أهل فظيعون لأن ابنتهم قاطعتهم بهذه الطريقة!)، ويترككم تشعرون أن الناس يحكمون عليكم، ومنهم الأصدقاء والعائلة.
بالطبع في بعض الأحيان، هناك ظروف تترك أمام الولد (البالغ من العمر 18 عامًا أو أكبر) خياراً وحيداً وهو مقاطعة أحد الوالدين. مثلاً في حالة تعرض الابن/ة للاعتداء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي من قبل أحد الوالدين في الماضي أو الحاضر.
في حين أنه من السهل تحديد سبب المقاطعة في كل الأمور، بدءًا من المشاكل المالية، إلى النزاعات الشخصية، أو إلى الطلاق أو العلاقات الأسرية الصعبة، إلا أنه في كثير من الأحيان يغرق الأهل الذين تعرضوا للمقاطعة من ابنهم في الظلام وهم يحاولون اكتشاف الخطأ الذي حدث.
وعندما تكونون غارقين في الظلام، فإن أسهل ما يمكن لومه هو أنفسكم -أن تصدقوا أنك فشلتم كأهل.
لكن إليكم الحقيقة: إن قطع العلاقة لم يكن خياركم. على الرغم من أنكم ربما قد تكونون ساهمتم في حصول التوتر بينكم، إلا أنكم لستم مسؤولون عن اختيار ولدكم لإبعادكم عنه.
يعاني العديد من الأولاد البالغين مع والديهم أو مع مشاكل مالية وما إلى ذلك، ولكن لا يقاطع جميعهم أهاليهم. فلماذا يقاطع بعضهم بينما يمر الآخرون في صراعات مماثلة ويبقون على تواصل؟
لماذا يبعد بعض الأبناء أنفسهم
إن طرق مواجهتنا نحن البشر للضغط النفسي متوقعة إلى حد ما. لدينا ردة فعل القتال أو الهروب مثل باقي الكائنات الحية. وبعض الناس يكونون أكثر عرضة للابتعاد (الهروب) عندما تتفاقم مشاعرهم.
لنأخذ على سبيل المثال يوسف. عاش في منزل والديه بعدما أنهى دراسته في الجامعة، وشعر والديه أنه بلا هدف. كان ينام حتى وقت متأخر، ولا يساعد في المنزل، ولم يحصل على وظيفة ثابتة، وكان فظًا وغير محترم.
من المفهوم أن والدا يوسف كانا يشعران بالقلق والتوتر فلم يكن ليوسف وجهة في حياته. كانا يتذمران ويصرخان ويسألانه يوميًا عن خطته. وكان دائما رده غامضًا أو سيئًا، مما دفع والديه إلى التركيز عليه أكثر.
في النهاية، انتقل يوسف من المنزل. لم يخبر والديه بالمكان الذي انتقل إليه ولم يتصل بهما لأكثر من عام.
لفهم ردة فعل يوسف، علينا أن ندرك أنه عندما يشعر بعض الأشخاص بالقلق أو التعب من النزاع أو الضغط أو من كثرة التدخل العائلي، فإن ردة فعلهم ستكون إبعاد أنفسهم عاطفيًا أو جسديًا أو كليهما. عندما يبتعد الشخص عن الآخرين، فإنه يشعر بالارتياح لأن المسافة على ما يبدو تنهي الصراع. في الواقع، لا يحل ذلك أي مشكلة طبعاً، فعلى العكس سيؤدي إلى تفاقم التوتر القائم أكثر.
يبدو أن يوسف ووالديه منفصلان في الظاهر. لكنهم في الحقيقة يفكرون ببعضهم البعض طوال الوقت ويركزون بشكل مفرط على بعضهم البعض. في الواقع، إنهم لا يزالون متصلين بشدة ببعضهم البعض: فعلى الرغم من انقطاع التواصل، إنهم مرتبطون عاطفيًا معًا. لم يتخلص أي منهم من المشكلة الأساسية؛ ولم يتحرروا من بعضهم البعض.
التباعد الشديد: قطع العلاقة
يتحول الابتعاد في أقصى درجاته إلى قطع العلاقة. يمكن أن يحدث نتيجة فترات طويلة من الصراع أو كرد فعل مفاجئ لمواجهة صعبة. مهما كانت المشكلة، فإن الشخص الذي يقوم بالابتعاد يواجه صعوبة في معالجة المشكلة وحلها بشكل مباشر وناضج. بدلاً من ذلك يختار البعض قطع التواصل كما فعل يوسف. فهم غير قادرين على مواصلة العلاقة.
عندما يكون أحد الوالدين والطفل مرتبطان عاطفيًا مع بعضهما البعض، يكونان أكثر عرضة لانقطاع العلاقة بينهما في حالات القلق المرتفع.
فعلى سبيل المثال كان يوسف ووالديه على صلة شديدة وكانوا متعلقين ببعضهم. لم يكن يوسف يتحمل مسؤولية نفسه، ولم يتحمل والديه مسؤولية أنفسهم.
لم يقف والديه في وجهه ليخبراه بما يقبلان به وما لا يقبلان. وبدلاً من ذلك، تذمرا وتوسلا وأملا أن يتغير. لكنه ازداد عناداً، ولم يفعل شيئًا عند الضغط عليه، ورفض معالجة الجزء الخاص به من المشكلة.
بدلاً من أن يتحمل كل منهم مسؤوليته في صراعهم الأسري، كان كل منهم يتصرف كردة فعل على سلوك الآخر. فكانت الطريقة الوحيدة لدى يوسف لحل المشكلة هي أن ينأى بنفسه عن والديه؛ لم يكن لدى يوسف المهارات اللازمة لحل العقد لينمو ويواجه نفسه.