سلوك طفلكم السيء
عاد ابن أخي البالغ من العمر 10 سنوات من المدرسة. وما إن رأى جهازه اللوحي منفصلاً عن الشاحن، حتى بدأ يبكي ويصرخ بانفعال “من فصل جاهزي عن الشاحن؟ لم تعبثون بأغراضي؟”. بدأت والدتي تصرخ بانفعال “جيل غريب، أنت طفل بلا تهذيب“. طلبتُ منها الانسحاب، واقتربتُ منه بهدوء. نظرتُ إلى التابلت ووجدتُ أن شحنه ممتلئ حتى 80%. وقلتُ في نفسي حتماً ليس هذا سبب صراخه وبكائه. هناك سببٌ آخر يؤلمه يخفيه داخله.
بدأتُ أحدثه بهدوء:
- عزيزي محمد لا بأس ليست مشكلة خطيرة، اهدأ. سيتم شحن جهازك ريثما تنهي دروسك. هل لديك الكثير من الواجبات المدرسية ليوم غد؟
لا يهمني. أنا أكره المدرسة. لا أريد أن أدرس. - أخبرني هل حصل شيء أغضبك اليوم؟
ازدادت حدة بكائه، وبدأ يقول كلاماً غير مترابط، لكنني فهمتُ معناه: - دائماً حين تمطر أقع.. كنتُ أعلم أنني سأقع بسبب المطر. لم أكن أريد الذهاب إلى المدرسة اليوم.
- حسناً إهدأ أنا أفهمك، هل تألمتَ كثيراً؟
نعم لقد وقعُت على قدمي التي جرحتها في مباراة كرة القدم. والكل بدأوا يضحكون. ولم يساعدني أحد. والآن رجلي تؤلمني. كيف سأفوز بالمباراة القادمة؟ لقد كانوا يصفقون لي ويطلب المدرب أن يحملونني حين أفوز. لن أتمكن من اللعب مجدداً.
- انزلقت بسبب الماء.
لا. دفعني أحدهم وتركني على الأرض. لو تمكنتُ من اللحاق به لضربته.
حسناً، أمامي تقريباً 4 مشاكل في مشكلة واحدة. وطبعاً جميعها متفرعة من المشكلة الأساسية. تخلي والداه عنه. بدأتُ أفكر من أين أبدأ؟ من زملائه التافهين عديمي الإحساس، أم من خوفه من الوقوع، أم من كرهه للمدرسة، أم من حاجته إلى دعم الآخرين كي يشعر أنه مهم ومحبوب ويسترد بعض الثقة بالنفس التي خسرها منذ تخلى عنه والداه.
الأمر معقد جداً.. زملاؤه لا يعرفون أن والداه انفصلا وكل منهما أسس أسرة، وبقي الطفل مع جدته وعمته، كأنه قد أتى بالصدفة إلى هذا الكون. والداه على قيد الحياة، وهو وحيد. هل هناك ما هو أسوأ من هكذا شعور؟
إنها مشكلة كبيرة، لا يوجد ما قد يرمم هذا الجرح داخله. أنا متأكدة. لذا قررت بالبدء بمعالجة التداعيات.
عن تنمر الأصدقاء:
أخبرته عن تجربتي حين وقعت في الصف، وشرحتُ له أن بعض الأشخاص يشعرون بالسعادة حين يسخرون من الآخرين، لأنهم يعانون من نقص في داخلهم، يجعلهم ينتقمون عبر استضعاف الناس من حولهم. فسّرتُ له مراراً وتكرارا أن المشكلة ليست فيه، بل في الطفل الذي دفعه والآخرين الذين ضحكوا. يجب أن يفهم أن كونه طفلٌ طيب ليس خطأ مهما تعدد السيئون من حوله.
عن حاجته إلى الدعم كي يثق بنفسه:
أخبرته أنه يذكرني بنفسي حين كنتُ صغيرة. كنتُ أبحث عن رضى الناس كي أشعر بالسعادة. إلى أن اكتشفتُ أن السعادة تكمن في داخلي. وأنه لا يجب أن نشعر بالخيبة إن لم ير الآخرون تميزنا، فنحن نعلم مدى قدراتنا وسننجح لأننا نؤمن بأننا قادرون على ذلك.
عن الخوف من الوقوع:
ليس الأمر عابراً. الخوف من الوقوع ليس فقط ما يعاني منه محمد. فهو يخاف أن يقع، بخاف أن يفشل، يخاف أن يرسب، يخاف أن ينام لوحده في الغرفة، يخاف أن يبكي أمام الناس… الخوف يسيطر على الكثير من تفاصيل حياته. فقلتُ له. أنظر إلي. لقد وقعت أنا أعلم ذلك.. وتألمت أنا أفهمك.. وحزنت لأنك لم تنتقم من الشخص الذي دفعك أو لأنه لم يعتذر.. أنا أدرك ذلك. لكن ها أنتَ استطعت النهوض بمفردك، ها أنت بخير. أنت شخص قوي، لكنك لا تعلم ذلك. جميعنا نقع وننهض في حياتنا العديد من المرات، المهم أن ننهض ونتخلص من الخوف. الخوف من الوقوع سيزيد من توترك واحتمال وقوعك.
أما عن المدرسة:
إنها إشكالية كبيرة، المنهج الفاشل، محيطه، أصدقاؤه، معلماته، عدم اهتمام أهله بعلاماته. ماذا عساي أقول؟ أخبرته أن نجاحه ليس لأجل أحد، بل لنفسه فقط. كي يثبت لنفسه قبل الجميع أنه شخص لا ييأس.
كنتُ أتكلم وفي بالي يدور ألف سؤال. هل أنا مقتنعة أصلاً بما أقوله؟ هل سيخفف هذا من وطأة شعوره بالنقص والذنب والحزن والألم وانعدام الثقة بالنفس وعدم تقدير الذات والخيبة والخوف الذي يملأه؟
إنها مأساة، مأساة حقيقية، مأساة كاملة تختبئ خلف ما حدث. لم يكن غاضباً لأن جهازه لم يُشحن، ولو لم أسأله وأبدي اهتماماً كبيراً، لبقي الجميع يظن أنها مشكلة جهاز لوحي، وطفل تافه ينتمي إلى جيل فاشل اهتماماته سخيفة.
لا تركزوا على المظهر. أنظروا إلى ما وراء سلوك طفلكم وكلامه. نحن في عالمٍ مخيف، إن لم نتمكن من التواصل مع أطفالنا، سنخسرهم بطريقة أو بأخرى