نمو الصبيان الإدراكي والعاطفي
نمو الصبيان العاطفي
قد يفاجئ كلامي العديد من الأهل لكن الانفعالات تتملك الصبيان بقدر الفتيات (ويشعرون بها بقوة مثلهن). في الواقع، يمكن للصبيان ان يكونوا سريعي العطب عاطفياً وحساسين أكثر من الفتيات في سنوات عمرهم الأولى. إن الانفعال (وليس المنطق والعقل) طاقة تحثّ دماغ الإنسان. إن السنة الأولى من حياة ابنك وقت ممتاز للبدء ببناء ما يسميه دان كيندلون ومايكل تومسون «المعرفة الانفعالية أو العاطفية»، أيّ قدرة الصبي على فهم المشاعر والانفعالات والتعبير عنها بوضوح.
كان اريك اريكسون احد الرواد الأوائل في دراسة تطور الإنسان ونموه. يرى اريكسون أن أول مهمة انفعالية ينبغي للطفل أن يبرع فيها هي الثقة: معرفة أن والديه ومن يهتمون به سيحضرون عندما يحتاج إليهم وأن روتين الحياة اليومية سيحصل بشكل يمكن التنبؤ به وآمن. قد يفتقر الأولاد الذين تعرضوا للاستغلال، أو الذين بدلوا الكثير من مراكز الحضانة خلال سنوات حياتهم الأولى، لهذه القدرة الهامة. يبدو بعض الأولاد غير مستعدين للنظر في عينيّ أي شخص راشد أو لتحمّل أيّ تلامس جسدي. إن الثقة عامل هام في بناء الارتباط الآمن.
سؤال ماذا لو بكى ابني كلما وضعته أرضاً؟
يحتاج الأطفال للاهتمام. لكن إذا بدأت تشعرين بأنك أشبه بعبد لطفلك فعليك أن تبحثي عن توازن أفضل ما بين حمله وتركه ليهدأ ويسلي نفسه. تكفي لمسة ودودة أو كلمة حنون أحياناً لتهدئته.
لعلك اهتممت بتزيين غرفة ابنك وترتيبها وحرصت على تأمين ألعاب وأغراض محفزة لينظر إليها، إلا أن ما يفضله ابنك هو وجهك فالأطفال يفضلون النظر إلى الوجوه أكثر من أيّ شيء آخر. إن النظر إلى ابنك ومنحه بعض الوقت وجهاً لوجه معك يعدّانه كي يفسّر انفعالاتك وانفعالاته الخاصة. ابتسمي له وسترينه يبادلك الابتسام؛ توددي إليه وغني له وسيتجاوب على الأرجح بسعادة معك.
وجد العديد من الدراسات أن الأهل يتحدثون إلى الأطفال من الفتيات أكثر من الصبيان؛ وأن معظم الأهل يميلون إلى اختيار اللعب الجسدي مع الصبيان فيدغدغونهم أو يحركون أيديهم وأرجلهم. وأظهرت دراسات أخرى أن الصبيان الذين لا يتلقون الكثير من العاطفة والحنان يميلون إلى مواجهة الكثير من المشاكل السلوكية في مراحل الحضانة. احرصي على أن تتحدثي إلى ابنك كثيراً وأن تدلليه وتعانقيه وجهاً لوجه.
نمو الصبيان الإدراكي
لعلك قابلت أهلاً يسعون لأن يجعلوا من أطفالهم عباقرة بدءاً من يوم ولادتهم عبر إحاطتهم بمحفزات أكاديمية. تخيلي ثنائياً هما ميريام وبيتر وقد تملكهما الحماس عند ولادة ابنهما جاكوب… وصمما على أن يمنحاه أفضل بداية ممكنة في الحياة. اشتريا الكثير من الكتب عن نمو الطفل وتطوره؛ وراحا يقرآن لجاكوب باستمرار ويسمعانه الموسيقى الكلاسيكية والجاز فيما هو يلعب أو أثناء نومه. زيّنا غرفة جاكوب بحروف الأبجدية، وعندما بدأ يدب علّقت ميريام على الأثاث والأغراض الأخرى في المنزل الكلمات المناسبة. وفيما جاكوب يدب في عالمه راح يجد كلمات مثل كرسي، أرنب، طاولة على مستوى نظره. كان بيتر وميريام مقتنعان بأن جاكوب سيتمكن من القراءة وهو في سن الثالثة. ولو عاد الأمر لهما، لأصبح جاكوب نجماً أكاديمياً.
وقائع أوردت سوزان جيلبرت في كتابها Field Guide to Boys and Girls أن عدد الكلمات التي توجّه إلى الطفل في كل يوم هو المؤشر الوحيد الأهم إلى ذكاء الطفل ونجاحه الأكاديمي وقدراته الاجتماعية في السنوات المقبلة. يبدو أن الكلام ينشّط ويقوي تشكّل المشابك الكيميائية في دماغ الطفل الذي ينمو.
يريد كافة الأهالي أن ينجح أولادهم في الحياة. لكن هل يحتاج الأطفال فعلاً إلى بطاقات تذكير وتعليم منهجي؟
في الواقع، لا، فالأطفال لا يحتاجون إلى تعليم منهجي. فأهم ما يتعلمونه في بداية حياتهم يتم في إطار العلاقات؛ بالتالي يحتاج طفلك إلى التواصل معك والارتباط بك. كما أن القراءة معاً واستكشاف العالم من حولكما هما طريقتان رائعتان لتشجيع قدرته على اكتساب اللغة والتعلّم.
لا يشجّع التلفزيون (حتى البرامج التثقيفية) على تطوّر المهارات الكلامية، صدّقي أو لا تصدّقي. سيتعلم ابنك الكلام عبر التحاور معك وعبر الاستماع إلى حديثك وعبر البدء بتقليدك. يمكنكما أن تغنيا أغاني الأطفال معاً (التي تعلّم إيقاعات الكلام)؛ ويمكنك أن تجلسي ابنك في حضنك وتنظران إلى كتاب مصوّر معاً. أشيري إلى الأغراض في الكتاب وسميها بأسمائها. يمكن للحياة اليومية أن تصبح مختبراً رائعاً للتعلّم فيما أنتما تتشاركان الكلمات والأفكار. لكن ما من داعٍ لأن تضغطي عليه أو تدفعيه للتعلّم؛ في الواقع، يرى بعض الخبراء أن إجبار الأطفال على التعلّم قبل أن يصبحوا جاهزين سيجعل من الصعب عليهم أن يتعلموا لاحقاً وقد يؤدي إلى ملل أو انزعاج عند بلوغ مرحلة الدراسة في المدرسة.
تحذير! وجدت إحدى الدراسات الحديثة أن الأمهات يشجعن المهارات الكلامية بشكل متساوي عند الأطفال الذكور والإناث حتى سن الثمانية أشهر. إلا أن أمهات الصبيان الذين يصبحون أكثر حركة وحيوية في مثل هذا العمر، يقللن تركيزهن على الكلام ويتركن أبنائهن يركزون على النمو الجسدي أكثر من المهارات الكلامية.
لعل أفضل طريقة لتشجيع ابنك الصغير على التعلّم هي أن تحبي التعلّم أنت أيضاً وأن تشاركيه الأمور التي تثير اهتمامك. يمكنكما أن تستمعا إلى الموسيقى معاً وأن تستمتعا بالكتب والصور وأن تتحدثا عن العالم من حولكما. يمكنكما أن تلعبا وأن تتحدثا فيما أنتما تلعبان. لا، لن يفقه كل كلمة لكنه سيتعلم من نبرة صوتك ومن تعابير وجهك. إن أفضل ما يتعلمه ابنك في سنته الأولى هو حبك واهتمامك وعلاقته التواصلية معك.