أسوأ الأساليب التربوية التي توارثناها عن أهلنا: التعييب وانتقاد الطفل بشكل مستمر
مَن منا لم يسمع هذه الكلمات من أمه أو أبيه ذات يوم “أنتِ لا تستطيعين حتى ترتيب غرفتكِ، ستكونين ربة منزل فاشلة! كيف ستكونين أسرة ناجحة في المستقبل؟”. ومَن منا لم يصرخ في ابنه بانفعال قائلاً “أنتَ لا تنجح سوى بقضاء الوقت على الألعاب الالكترونية. إن استمريتَ هكذا ستصبح رجلاً فاشلاً في كل شيء”. أو عبارة “أنتَ لا تستطيع حتى أن تمسك صحناً، أنتَ تفشل في كل شيء” أو مثلاً “لا جدوى منكَ، كل ما تقوم به هو التخريب”.
لا بد من أنكم سمعتم بعض هذه العبارات أو ما يشبهها، وحتماً ما زلتم تسمعون صداها في ذاكرتكم حتى اليوم. أنتم لم تنسوا هذه الكلمات ولن تنسوها. هذه العبارات هي التي تكوّن شخصيتنا وتجعلنا ما نحن عليه اليوم. هي التي تُكسبنا أو تُفقدنا الثقة في أنفسنا.
كان أهلنا يستخدمونها باستمرار. الهدف كان سامياً والنية كانت “التربية” وتعديل السلوك. والأمر الخطير هو أننا نستخدمها أيضاً مع أطفالنا دون أن نشعر. لكن ما تأثير هذه الطريقة على شخصية الطفل؟ وهل فعلاً هي طريقة فعالة في تعديل السلوك؟
الانتقاد السلبي يحفر الصفة في الطفل، ولا يلغيها
لطالما كررت أمي تلك العبارات على مسمعي حين كنتُ طفلة “أنتِ فوضوية، لن تتمكني من أن تصبحي ربة منزل ناجحة”. وها أنا اليوم رغم كل المحاولات مقتنعة جداً بأنني فاشلة في هذا الأمر، ومهما جربت تنظيم الأمور أشعر بأنني لا أستطيع السيطرة على شيء، وأن الفوضى جزء من شخصيتي، إنها المكان الذي يناسبني ويشبهني.
إنه أتفه وأبسط تشبيه. ماذا عن أولئكَ الذين تم انتقادهم على شكلهم “أنت بدين جداً لا تتمكن من التوقف عن تناول الطعام”. وانتقادهم على شخصيتهم “أنت غبي، لا تفهم أبسط الأمور”. مَن يقنعهم بأنهم ليسوا فاشلين وليسوا أغبياء حين يكبرون؟ مَن قولبهم ضمن هذه الصفات هو أقرب شخص إليهم وأكثر شخص يتواصلون معه ويثقون به (سواء كان الأم أو الأب).
عبر الانتقاد السلبي يفقد الطفل الثقة بنفسه وتصبح شخصيته ضعيفة
كلما حاولتُ أن أنجز أمراً تسترجعُ ذاكرتي صوت أمي وهي تردد هذه الكلمات “لن تتمكن من النجاح في شيء”. وتبقى جميع المهام التي أقوم بها غير منجزة، أبدأ بعمل، فأتوقف وأبدأ بآخر. وفي نهاية المطاف لا أنجح في شيء.
هذا ما قاله أحد زملائي ذات يوم. وكان مديره في العمل يكرر نفس الكلمات، وأستغرب عدم رده. أنظر إليه وأراه يصمت ويطأطئ رأسه كالطفل الصغير، ويتقبل الإهانة بكل رضوخ وهدوء.
هل هكذا تربون رجال المستقبل؟ بالقسوة والنقد والتعييب؟ هذا الشاب فقد ثقته بنفسه لأن مصدر النقد كانت والدته. كيف له أن يستعيد الثقة بنفسه، ومصدر النقد هو الطرف الذي يجب أن يشجع ويدعم ويحمي من النقد؟
عبر الانتقاد السلبي المستمر يشعر الطفل بأنه سيء ولا يستحق الحب
لا أذكر يوماً أن والدتي شجعتني أو تحدثت معي بطريقة إيجابية عن أمرٍ أنجزته. لا أدري، ربما كانوا يعتقدون في الماضي أن التعبير عن المشاعر ضعف.. أو أن التشجيع نوعٌ من الدلال الزائد..
بالمقابل كان من السهل جداً عليها أن تنتقد كل ما أقوم به. حتى أصبحتُ أشعر أنني شخصٌ يحمل في شخصيته كل عيوب الكون، شخصٌ لا يستحق الحب والاهتمام والدعم. ظننتُ أن أحداً لن يحبني يوماً ما. فتزوّجتُ أول شخصٍ أخبرني بأنه يحبني وملأ هذا النقص العاطفي العميق في ذاتي.
هي قصة امرأةٍ متزوجة تعاني اليوم من التعنيف المنزلي والمعنوي من قِبَل زوجها، اختارت ما تظن اليوم أنها تستحقه.
البديل
تأكذنا إذن أن التعييب والانتقاد المستمر طريقة تربوية فاشلة. ما البديل؟
تعديل السلوك بطريقة إيجابية عبر التشجيع والدعم. فبدلاً من قول “أنت فاشل علاماتك سيئة”. يمكننا القول “سنحاول مجدداً بطريقة مختلفة ستنجح في المرة المقبلة”.
وبدلاً من قول “أنتِ فوضوية لا تستطيعين ترتيب غرفتك”. يمكننا القول “انتِ طفلة رائعة، لقد وضعتِ الألعاب مكانها، ستصبحين أروع إن تمكنتِ من ترتيب سريركِ غداً صباحاً”. وشيئاً فشيئاً ستكتسب ابنتكِ سلوك الترتيب والتنظيم.
الهدف من التربية هي جعل سلوك طفلنا أفضل لكن ليس ذلك على حساب مشاعره وشخصيته. ليس الهدف تنفيذ الأوامر بل اكتساب السلوك. والنقد لا يقنع، النقد ينفّر، ويجعلنا في قرارة ذاتنا نعارض حتى لو نفذنا الأمر. كما أن الطفل لا يفهم أن سلوكه خطأ ومن الممكن تعديله إن انتقدناه بطريقة سلبية، بل يظن أن المشكلة تكمن فيه وفي شخصيته لا في السلوك فحسب.
سماح خليفة