علموا أولادكم الدفاع عن انفسهم تماماً كما تعلمونهم احترام الآخر
الدفاع عن النفس بإحترام:
ما زلتُ أذكر تلك المرحلة في طفولتي حين كنتُ أقف في الصف منتظرةً دوري في وقت الفسحة خلف حشدٍ كبيرٍ يلتف حول دكان المدرسة الصغير، أقف بانتظام تماماً كما علمتني أمي، ألتزم بدوري تماماً كما علمتني أمي، سامحةً للجميع بالمرور قبلي، متبعةً مبدأ الإيثار كما علمتني أمي، إلى أن يقترب موعد جرس نهاية الفسحة، فأقرر الانسحاب بصمت دون أن أتمكن من شراء ما أريد. إنه أحد المواقف اللامتناهية التي كنتُ أتنازل فيها دون أن أفهم أن من حقي بكل بساطة أن أعترض وأدافع عن نفسي.
علمتني أمي كيف أكون طفلة مهذبة منتظمة خلوقة طيبة لطيفة مجتهدة، لكنها نسيت أمراً مهماً جداً. نسيت أن تعلمني ضمن كل هذا كيف أدافع عن حقي وأحصل على ما أريد، نسيت أن تعلمني أن اعتراضي على أمرٍ ما ليس وقاحة، وأن سماحي للآخرين باستغلالي أو بالتعدي على حقوقي ليس من ضمن مبادئ الطيبة والإيثار.
غالباً ما ننشغل بتعليم أطفالنا كيف يحترمون الآخر. وننسى أن نعلمهم أن على الآخر احترامهم بالمقابل. وأن عليهم أن يوضحوا للطرف الآخر أن عدم احترامهم والتقليل من شأنهم ليس خياراً مسموحاً لأيٍ كان، مهما كلف الأمر، وحتى لو كان ذلك على حساب مثلهم ومبادئهم.
اتت ابنتي لتخبرني بأن صديقها دفعها عدة مرات. فسألتُها عن ردة فعلها دون أن أحكم عليها أو أتدخل، كي تخبرني بصدق كيف تصرفت. فاجابتني “أخبرتُ المعلمة، والمعلمة عاقبته، المعلمة تحبني كثيراً”.
هكذا، بمنتهى البساطة، انتهت المشكلة دون أي تدخل مني، وكنتُ فخورة بأنها وجدت سبيلاً كي تدافع عن نفسها. لكن إلى أن وصلنا إلى مرحلة كهذه مع طفلة تبلغ من العمر فقط 4 سنوات، كان لا بد من المرور بعدة مراحل تحضيرية. وكانت تلك المراحل على الشكل التالي:
المرحلة الأولى: أنتِ شخصٌ يستحق الحب والإحترام
هذا ما أؤكده لها كل يوم عبر كلماتي وتصرفاتي. فالطفل المُهان الذي يتم إهماله وتهميشه وتعنيفه في المنزل، كان ليتصرف في هكذا موقف إما بعدوانية مفرطة، أو عبر التنازل عن حقه في الدفاع عن نفسه والرضوخ إلى التنمر والعدوانية من قِبَل الطرف الآخر.
المرحلة الثانية: مفهوم الاحترام وكونه فعلاً متبادلاً
من واجبكِ أن تحترمي النظام وتلتزمي بدوركِ في اللعبة، لكن من حقكِ أن تعترضي إن قام أحد اللاعبين بالغش أو بتخطي دوره. من واجبكِ أن تكوني مهذبة مع الآخرين وأن تتصرفي بشكلٍ لائق، لكن من حقكِ أن تدافعي عن نفسكِ بطرقٍ مناسبة إن قام أحدهم بضربكِ أو ركلكِ أو أخذ منكِ أغراضكِ دون إذن.
المرحلة الثالثة: هناك طرق كي نحصل على حقنا.. لكن لا تقابلي الإساءة بالإساءة
لا تضربي مَن يضربكِ كي لا تصبحي شخصاً سيئاً مثله، لا تشتمي من يلقي عليكِ الشتائم كي لا تصبحي طفلة غير مهذبة مثله. أعلميه أنه مخطئ وإن لم يتصرف كما يجب، أخبري الشخص المسؤول عنه الذي يرافقه (أمه، المعلمة، أخيه الكبير..).. وهنا أود أن أبدي ملاحظة، نحن لا نعلّم أطفالنا بهذه الطريقة فكرة الوشاية أو النميمة. بل نعلمهم الدفاع عن أنفسهم بطرق سلمية دون التعرض إلى مزيدٍ من الأذى. كما نرسخ في نفوسهم مبدأ أن لكل طفل مرجع يجب أن يحترمه، وهذا المرجع مسؤولٌ عن تصويب أخطائه إن تصرف بشكلٍ سيء.
هناك دائماً طرق سلمية للدفاع عن النفس ضمن إطار المثل والأخلاقيات التي تربينا عليها. لكن الأهم هو ترسيخ فكرة الدفاع عن النفس في نفوس أطفالنا تماماً كما نرسخ فيها فكرة احترام الآخر.
سماح خليفة