ذاك الألم الذي يختفي فقط بغمرة أم!
غمرة أم:
أصرت صغيرتي ذات الأربع سنوات أن تأتي معي إلى العمل. فوافقتُ خاصةً أنني كنتُ منشغلة عنها في الآونة الأخيرة بسبب عملية أختها. كما أنني أعلم أن طفلتي مهذبة ولن تحدث الفوضى. جلست بالقرب مني خلف مكتبي، وأعطيتُها تفاحة كي تتناولها، وبدأتُ العمل.في غضون دقائق وضعت أميرتي الصغيرة الطعام من يدها وقالت:
- ماما، أشعر بالألم
- أين صغيرتي؟
- هنا في بطني (دالة على بطنها)
ثم قالت “هل يمكنني أن أجلس في قلبكِ؟” - بالتأكيد تعالي.
أجلستها في حضني وسألتُها مبتسمةً “هل زال الألم الآن؟”
أجابت “نعم، ماما” - إذاً تقصدين أن الألم يأتي حين تكون ماما بعيدة؟
كررت “نعم ماما” - ويرحل حين تكونين في حضن ماما؟”.
أجابت مجدداً وهي تتغلغل في أحضاني بارتياح وسعادة “نعم ماما”.
ثم غفت بين ذراعيَ كأنها لم تنل قسطاً كافياً من النوم منذ فترة طويلة.
ذاك الألم الذي يختفي بغمرة أم.
كنتُ أعلم أنها افتقدتني في الآونة الأخيرة. كنتُ طيلة الوقت متوترة بسبب العملية التي ستقوم بها أختها الكبرى. ومنشغلة بأمور كثيرة، منها بعض المشاكل المادية والبحث عن مصدر لتأمين المبلغ الكافي للعملية. صغيرتي كانت تجلس في منزل جدتها معظم الوقت. وبقية اليوم لم أكن نفس الأم التي تلعب مع أطفالها وتنشر المرح في أرجاء المنزل وتضحك طيلة الوقت.
فهمَت أن أمها مشغولة وتشعر بالتوتر، فانسحبت بصمت. كنتُ ألاحظ هدوءها لكن مع الأسف لم يكن لدي ما يكفي من الوقت والطاقة لمساعدتها. بالكاد كنتُ أساعد نفسي كي أتمكن من تخطي هذه الفترة الصعبة.
كانت عملية ابنتي الساعة السادسة صباحاً. أخبرتُ صغيرتي أنني سأذهب باكراُ وأن خالتها ستجهز لها أغراضها وتحضر لها ملابسها وتصطحبها إلى المدرسة لأنه عليّ أن أصطحب أختها إلى المستشفى. أجابت بمنتهى الهدوء “حسناً ماما. لا بأس”.
لم تكن تريد أن تزيد من توتري. لم تشأ أن تشغلني بها. هذه الطفلة الصغيرة أذكى مما أتوقع. تفهم كل شيء. وتتصرف بحكمة كالكبار. لكن خلف هذا الهدوء كان هناك بعض الحزن مختلطاً ببعض الغيرة والاشتياق. تجسد في ذاك الألم الصغير في بطنها، حيث كانت تشتكي لجدتها أن بطنها تؤلمها. ولم يزل ذاك الألم إلى أن غفت في اليوم التالي في حضني.
لا تشتكوا من إلحاح أطفالكم للبقاء بقربكم.. لا تتجاهلوا مشاعرهم البريئة الشفافة.. وبشكلٍ خاص لا تتجاهلوا ذاك الألم الذي يختفي فقط بغمرة أم!