قلة التركيز والصعوبات التعلمية: الأسباب النفسية .
أصبحت الصعوبات التعلمية وقلة التركيز مشكلة وبائية. والحقيقة أن عدداً كبيراً من المصابين يعانون فقط من الضغط النفسي وهم غير قادرين على تلبية توقعات أهاليهم وأساتذتهم منهم.
سامر في التاسعة من عمره. يعمل أمه وأبوه دواماً كاملاً. لقد شخص المعالج النفسي حالته على أنها عارض قلة القدرة على التركيز (ADD) ووصف له دواء الريتالين. وطلب الأستاذ من أمه أن تخصص شيئاً من وقتها بعد الظهر لتساعده على حل فروضه. فكان أن قررت المرأة القلقة أن تعمل بدوام جزئي حتى يتسنى لها العناية به. بعد ثلاثة اشهر قررت الأم أن توقف دواء الريتالين بدون استشارة المعالج النفسي ولكنها استمرت تواكب ابنها بعد الظهر. بعد سنة هنأها الأستاذ على تحسّن سامر الذي اصبح معدله متوسطاً.
ما الذي عالج سامر:
الدواء أم عناية الأم به؟ لا شكّ ان هناك عدداً من الأولاد بحاجة للأدوية فلست أدّعي أن حل جميع المشاكل واحد، ولكن علينا أن نفهم أن غياب الأهل عن البيت يسبب ضغطاً نفسياً للولد. أسلوب الحياة القائم على الركض والعجلة ينزل العناية بالطفل والانتباه إليه إلى أدنى مرتبة على لائحة ما نقوم به كأهل. الواقع أن عدداً كبيراً من الأولاد يعانون من مشكلة قلة القدرة على التركيز التي هي حالة مرضية ولكن قلة انتباه الأهل إليهم هي السبب في ما يصابون به.
بعض الأولاد يشعرون بالسعادة عندما يمرضون والسبب هو أن أهلهم يتواجدون قربهم في هذا الوقت. قد تكون فترة المرض الفترة الوحيدة التي يتخلى فيها الأهل عن الركض وراء مشاغلهم والانهماك بالعناية بالطفل.
قصة حقيقية
مارتن في الحادية عشرة من عمره. كتب في العام 1998 رسالة إلى صحافي في مدينة شتوتغارت الألمانية عن حياته كيف تغيرت بعدما وقع فريسة المرض.كان مورتن يعاني من مرض خطر وكان يحتضر. لقد نشر الصحافي الرسالة وتلقى سيلاً من الرسائل من أولاد وراشدين يواجهون مثله الألم والقلق والمرض كما تلقى رسائل أخرى من أشخاص يتعاطفون معه ويأملون أن يشفى.
هذه خلاصة عن رسالة مورتن:
«في الماضي، لم أكن أشعر بأني في حال جيدة إذ كنت أشعر بالوحدة. وكنت أشعر بهذه الوحدة في البيت بشكل خاص فأمي وأبي مشغولان دائماً، فهما يعملان ويعملان. أنا ولد وحيد، لقد كنت أقضي معظم وقتي وحدي. كنت أتلقى هدايا كثيرة ولم يكن أحد من أصدقائي يتلقى من الهدايا القدر الذي كنت أتلقاه. نعم أردت كل تلك الأشياء ولكني كنت أفضل أن أقضي المزيد من الوقت مع أهلي في البيت. في المدرسة كنت تلميذاً مجتهداً وكان أهلي فخورين بي.
لقد قالا عني إني ذكي وإني ذاك الطفل الذي كان يحلمان به. منذ سنة مرضت. هذا الجانب هو الشيء الجيد بالنسبة لمرضي. إذ فجأة تغير أهلي فقد أصبحا يتواجدان معي طوال الوقت أو على الأقل كان أحدهما يبقى معي طوال الوقت، وأخذا يخبرانني كم يحبانني. وهذا أمر لم يذكراه أمامي من قبل، كما أنني لم أفكر فيه من قبل. ولكني بعد ذلك رحت أفكر في مقدار حبهما لي، وأدركت أنني قبل مرضي لم أصدق أنهما يحبانني».
لسوء الحظ أن المأساة نورت قلبي هذين الوالدين من خلال وضع مؤلم وجعلتهما يقدِّران الهدية التي وهبهما إياها الله. لا شكّ أن هذا الولد لم يكن لديه فكرة عن التأثير الذي فعلته هذه الرسالة وكم فتحت من قلوب.
أولئك الذين يكونون على فراش الموت يطلبون منا أن «نرقص مع هذه الحياة على مهل» وأن نعي المخاطر التي نركبها عندما نكون مذهولين بضجيج الحياة فلا نقدر على سماع الصوت الضعيف الرقيق. لقد تبين أن انشغالنا الدائم يصمّنا عن سماع أصوات أولادنا وأحبائنا ولا يساعدنا على تذكر أن علينا أن نركِّز على اللحظات الهامة في حياتنا، ذلك أننا نتخلى للاسف عن العلاقات الهامة في حياتنا.
التلميذ المضغوط نفسياً والصعوبات التعلمية
إذا أضفنا إلى قلة انتباه الأهل، الضغط المنافي للعقل الذي تخلفه البرامج التعليمية التي ندفع المبالغ الطائلة من أجلها والتي يقوم بها أشخاص لا يعرفون إلا القليل عن التعامل مع الأولاد، تكون النتيجة تلميذاً مضغوطاً نفسياً لا يتعلم. لقد شفي عدد كبير من الأولاد الذين يعانون من الصعوبات التعلمية عندما بدأ أهلهم يقضون الوقت معهم أو عندما خففوا الضغط النفسي في حياة الولد. الحل أحياناً هو بإلغاء دروس بعد الظهر الإضافية أو إرسال الولد إلى مدرسة نظامها التعليمي مريح. وسترون أن الولد كالسحر يستعيد سعادته العاطفية.