كفوا عن انتقاد أطفالكم أمام الناس.. كي لا تدمرونهم دون قصد!
انتقاد أطفالكم:
لطالما لعبت أمي دور الضحية. لم أرَها يوماً سعيدة أو منتصرة. لم أرَها يوماً ترى الأمور بطريقة إيجابية. ورثتُ منها هذا الدور، ربما في جيناتي. كنتُ أظن دائماً أن الكون يقف ضدي، وأنني شخصٌ ضعيفُ مهزوم لا حول له ولا قوة. ما أسوأ هذا الشعور. وما أسوأ الاستسلام له! ضاعف هذا الشعور كثرة شكواها عنا أنا وإخوتي أمام الناس. كأننا عبء أو حمل ثقيل.. كأننا لا نسبب لها سوى مزيد من الحزن والألم والتعب والمشاكل، كنا وسيلة تدعم عبرها دور الضحية الذي تعيشه، دون أن تعي مدى تأثير ذلك على نفوسنا.
حاول أبي أن يقنعني أنني قادرة على تجاوز كل التحديات والعقبات. كان دائماً يخبرني بأنني قوية وذكية ومميزة. كان يفتخر بي أمام الجميع. على عكس أمي التي كانت تشتكي منا للأقارب والجيران. كاتت تخبرهم بأن أطفالها مهملين، متعبين، لا يساعدونها. لم تكن تتحدث سوى عن سلبياتنا. حتى أن الجميع كانوا يروننا أطفالاً سيئين مشاغبين ويوجهون لنا الانتقادات أمامها. إلى أن استسلمتُ في داخلي لهذه الصورة. وازداد شعوري باللامبالاة اتجاه كل شيء. على أي حال، أمي لن تقدّر أي مجهودٍ أبذله. لِمَ أبذل مجهوداً إذاً ؟ لن ترى سوى أخطائي، لا داعي لمحاولة التميز، لا داعي لبذل أي مجهود.
إلى أن كبرت، وبدأتُ أكتشف أن في داخلي الكثير من الإيجابيات والأمور المميزة.
لم أكتشف ذلك لوحدي. لقد ساعدني الكثير من الناس، الكثير من الأصدقاء والزملاء وحتى الغرباء. كلهم استطاعوا أن يروا أموراً لم أكن أعرف أنها موجودة في شخصيتي. إذاً أنا لستُ بهذا السوء. لستُ شخصاً فاشلاً عاجزاً ضعيفاً ساذجاً لا جدوى منه.
أتعمد اليوم أن أخبر الجميع عن إيجابيات أولادي، سواء في حضورهم أو غيابهم. وأضع حداً لكل من يحاول انتقادهم أو التدخل في حياتي. أتعمد التفاخر بهم أمام الجميع. ربما أن هذا هو السبب الحقيقي خلف كثرة تحدثي عنهم أمام الجميع، والصور والكلمات التي تشمل صورهم ومميزاتهم التي أنشرها في كل مكان. أود أن يعلم الجميع أن أطفالي مميزين وأن مشاعرهم خط أحمر لا يحق لأحد تجاوزه.. وأود أن يعلموا حين يكبرون كم أن أمهم تراهم مميزين وأقوياء. ستكون الكلمات التي أكتبها عنهم مصدر دعم وقوة حين أغيب. تماماً ككلمات أبي التي كلما قرأتها شعرتُ أنني أقوى امرأة وأعظم أم، توفي أبي وكلماته بقيت مخلدة في ذاكرتي وفي تعليقاته الداعمة على صوري وكتاباتي في مواقع التواصل الاجتماعي. ذاك الإنسان العظيم الذي كان يحاول دائماً ترميم ما سببه تشويه أمي لصورتي اتجاه ذاتي دون قصد أو سوء نية.
اليوم أرى الكثير من الأمهات يكررن نفس قصتي. يسخرن من أطفالهن ويشتكين منهم في “صبحياتهم” مع الجيران. وينسون أن ذاك الطفل الذي يلعب بسيارته في زاوية الغرفة يسمع كل شيء، ويحتفظ بهذه الكلمات في ذاكرته. تلك الذاكرة التي ستردد صدى صوت كلمات أمه في ذاكرته طيلة حياته، تماماً كما يتكرر صدى كلمات أمي في ذاكرتي كل يوم.
على أي حال، معظم الأفعال والاقوال غير المقصودة يكون وقعها على النفوس أعظم وأكثر عمقاً. كفوا عن انتقاد أطفالكم أمام الناس.. لا تدمروهم وتحطموا ثقتهم بأنفسهم دون قصد.