كنتُ أبحث عن ابنتي

0

أبحث عن ابنتي:
قدمت مدرسة ابنتي تكريماً في عيد الأم تضمن أنشطة تفريغيّة وتعبيرية للأمهات. ومن ضمن تلك الأنشطة قام الأخصائي النفسي بإطفاء الأنوار في القاعة وتشغيل موسيقى هادئة، طالباً منا أن نتخيل أنفسنا نطير ونعلو شيئاً فشيئاً وبدأ بالقول:

  • تخيلوا أنفسكم تطيرون.. أنظروا إلى منزلكم.. كم يبدو صغيراً.. خذوا نفساً عميقاً
  • الآن تخيلوا المدرسة من بعيد.. أنظروا كم حجمها يبدو صغيراً.. خذوا نفساً عميقاً
  • تخيلوا الآن أنفسكم بين الغيوم وتنفسوا بعمق.. لا تفكروا بشيء.. فقط تخيلوا..

إبنتهت الجلسة التي استغرقت حوالي نصف ساعة وبدأ يسأل الأمهات عن شعورهم. نسبة كبيرة لم تنجح في الاسترخاء والتخلص من انشغال تفكيرها بالمشاكل الدنيوية.. لكنهن لم يدركن السبب.. أنا أدركت.

أتى دوري، وبدأ يسألني..

ما كان شعورك حين رأيتِ المنزل صغيراً، وغرفه صغيرة من بعيد.. أجبتُ بمنتهى الثقة “كنتُ أبحث عن ابنتي في كل زاوية من زوايا المنزل”..
تفاجأ من إجابتي وأكمل سائلاً.. ماذا عن المدرسة.. كررت “كنتُ أبحث عن إبنتي في كل زاوية”.
ثم سألني ماذا شعرتِ حين وصلتِ إلى الغيوم.. كررتُ مجدداً “كنتُ أبحث عن ابنتي”..
عم الصمت في القاعة.. فجميع الأمهات كن يعشن نفس المشاعر لكنهن لم يدركن ذلك..

وأكملت “حضرة الأخصائي، نحن الأمهات لا نستطيع الانفصال عن أطفالنا… خاصة أمهات أطفال التوحد أو الأطفال الذين يعانون من صعوبات.. حين تطلب من أمٍ أن تتخيل نفسها بعيداً عن طفلها.. أنتَ تطلب منها بهذه الطريقة أن تنفصل عن ذاتها. معظمنا لم ينجح في الاسترخاء. أتدري لماذا؟ كنا نشعر بالضياع.. الطفل جزء من روح الأم. من المستحيل أن تتوقف عن الخوف أو القلق عليه. أن تطلب منها أن تخالف الطبيعة البشرية.

premium freepik license

إنها غريزة الأمومة.. أقوى من كل شعور، وأعظم من أن تُفسّر بكلمات.. كان من الأولى لكَ أن تطلب مني أن أتخيل أني أحمل ابنتي وأطير وأرتفع عن الكون.. لأخبرتُكَ حينها عن كم السعادة، والضحكات والمرح وعدد الأغاني التي كنا سنغنيها معاً. عن الشعور بالأمان والحب والطمأنينة والفرح.

إنه حلمنا من الأساس.. لطالما حلمنا نحن أمهات أطفال التوحد أننا نخطف أطفالنا بعيداً عن هذا الكوكب.. بعيداً عن نظرات الشفقة والسخرية والعطف والاستخفاف.. بعيداً عن لاعدل الأرض إلى كونٍ أعدل.. لطالما حلمنا أن نحميهم من محاولات محيطهم لتحجيمهم، ورددنا على مسمعهم يومياً أنهم مميزون بطريقتهم.. وأنهم جميلون باختلافهم.

في المرة المقبلة حضرة الأخصائي جرب هذه الطريقة، وستتفاجأ بإجابات مليئة بكل المشاعر الإيجابية.. أطفالنا يشعرون بالضياع لمجرد اختفائنا عن أنظارهم، وكذلك نحن. هم يجسدون الجزء الحقيقي فينا.. الجزء الأكثر رقة ووضوحاً وجمالاً.. من المستحيل أن تشعر أم بالسعادة وطفلها في ضياع.. وإلا فهي حتماً لا تستحق لقب أم.

اترك رد