ما الذي يجعل التربية في الغربة أصعب بكثير؟
تحديات التربية في الغربة: لغة مختلفة، معتقدات مختلفة وقيم مختلفة
نحن ندفع ثمن رفاهية الغربة التي يحسدوننا عليها غالياً..
كنتُ أتحدث مع صديقتي التي تعيش في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت تشكو لي وتخبرني أنها تشعر بالاكتئاب وتحلم بالعودة إلى أرض الوطن. فأجبتها ساخرةً “عزيزتي الوطن الذي لا تحصلين فيه على أدنى حقوقكِ غربة، والغربة التي تمنحكِ الرفاهية وحياة كريمة وطن. إياكِ أن تفكري بالعودة. الوضع مأساوي هنا! فكري بمستقبل أطفالكِ ومصلحتهم”.
فأجابت بصوتٍ يفيض منه الحزن والأسى “لأجل أطفالي أريد أن أعود”. ثم أكملت كلامها قائلةً “يحسدوننا على الحياة في بلدان الإغتراب، ونحن نعاني بصمتٍ كل يوم. لا يدركون كم أن الأمر متعب. تربية الأطفال في الغربة أمرٌ منهكٌ ومخيف. نحن ندفع ثمن غربتنا هذه غالياً. لا تشغلي بالكِ. لن يفهم الأمر سوى مَن عاش هذه التجربة فعلاً.”
بعد أن تحدثنا كثيراً تمكنت من فهم أصعب الأمور التي تجعل التربية في بلدان الاغتراب صعبة، لا مثالية كما يتخيل البعض. وهذا ما سأعرضه لكم في هذا المقال.
الإحساس بفقدان الهوية.. لغة مختلفة، معتقدات مختلفة، وقيم مختلفة
يكبر أطفال العائلات المغتربة بعيداً عن وطنهم. يتعلمون لغة مختلفة ويربون بين أشخاص ينتمون إلى ثقافات وديانات مختلفة. الأماكن المخصصة لتعليمهم اللغة الأصلية قليلة أو بعيدة عن أماكن السكن. وكذلك فيما يتعلق بالمعتقدات. ناهيك عن القيم والمبادئ التي غالباً ما لا تتشابه مع قيم الأشخاص الذين يعيشون في بلدان الاغتراب. كل شيءٍ مباح، وأي اعتراض من قِبَل الأهل يعتبر تعدياً على حقوق الطفل. العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج أمر عادي، لا بل الأشخاص الذين لا يدخلون في علاقات في سن مبكرة قد يعتبرهم أصدقاؤهم محط سخرية.
في ظل هذه الأجواء المحيطة على الأهل أن يحاولوا السيطرة على مجرى الأمور ومحاولة تعليم أطفالهم اللغة والمبادئ الدينية بأنفسهم. والأهم من ذلك عليهم حماية أطفالهم من الانحراف على الرغم من أن المغريات من حولهم لا حصر لها.
عليهم الرد على تساؤلات أشبه ب”صديقتي تسخر مني لأنني محجبة، لماذا تقول إنني أبدو غبية؟”. أو مثلاً قد تسأل فتاة في سن الخامسة عشر من عمرها والدتها قائلة “لقد خرجت صديقتي مع حبيبها بمفردهما، لِمَ تمنعينني عن التصرف بحرية؟ أنتِ أم متسلطة!”.
أطفالي يشعرون بالوحدة
قد يصبح لهؤلاء الأطفال أصدقاء، لكن لا شيء في الكون بأسره يعوض عليهم غياب الأجواء الأسرية. قصص الجدة واهتمام الخالة واللعب مع أولاد العم. يشتد شعور هؤلاء الأطفال بالوحدة عندما يأتون في زيارة إلى وطنهم ويعيشون تلك الأجواء التي حرموا منها في الغربة. ثم يعودون إلى منزلهم خارج الوطن، ليشعروا بفراغ شديد وبأن منزلهم بارد لا دفء فيه.
ما زلتُ أذكر عبارة ابنة صديقتي قبل السفر حين قالت لأمها “أمي ألا نستطيع أن نصطحب جدي وجدتي وخالتي وعمي وعمتي وأولادهم معي؟ لِمَ علينا أن نتركهم ونرحل؟ أنا أشعر أنني وحيدة جداً في منزلنا هناك”.
لا مجال للاستراحة
من الصعب جداً على الأهل الوثوق بأيٍ كان في الغربة. ومن المستحيل أن يجدوا شخصاً يضعون طفلهم في أمانته ريثما يرتاحون قليلاً أو في الحالات الطارئة مثلاً. إذا دخل طفلٌ إلى المستشفى على أحد والديه أن يبقى معه، فيما على الوالد الآخر أن يبقى مع الأطفال الباقين في المنزل. وكلّ منهما يتولى مسؤولية مَن معه على حدىً. ناهيك عن اضطرار الأم إلى القيام بكل واجباتها حتى لو كانت مريضة أو مستنزفة نفسياً أو جسدياً. لا يوجد بديل. حرفياً، ودون أدنى مبالغة لا مجال للاستراحة.
سماح خليفة