من يتحمل مسؤولية العنف عند الأولاد: الأهل، المدرسة، المجتمع، أم وسائل الإعلام؟ (2)

0

العنف عند الأولاد: السؤال الأساسي الذي يسأله الجميع عندما يتعلق الأمر بالعنف هو حول الأسباب؟ ما الذي يدفع المرء إلى ارتكاب العنف؟

لا شك في أن الأسرة هي أحد المسببات الرئيسية للعنف. بتعبير أدق، الأسرة هي أحد العوامل الفاعلة والناقلة للتنشئة الاجتماعية.

تظهر الأبحاث أن عدداً كبيراً من الأطفال العنيفين ينحدرون أساساً من عائلات إما مفككة وإما غير مكتملة، وإما من طبقات اجتماعية مهمشة معينة …

في كثير من الأحيان، ولكن ليس دائماً، ثبت أن هؤلاء الجناة كانوا ضحايا لأعمال عنف. بالتالي من السهل تفسير أنه، وبعد تعرض شخص لسوء المعاملة لسنوات، يتعلم هذا الأخير أنها الطريقة المناسبة لإنجاز شيء ما. وهو ينقل ويستخدم هذا النمط من السلوك على الأشخاص الأكثر ضعفاً، كي يتمكن من استغلالهم وإساءة معاملتهم.

هناك صورة نمطية أخرى تبرز أن الطفل العنيف قد ينحدر من عائلة أسلوب التربية فيها صارم ومتسلط للغاية …

ويمكن أن يكون الأمر عكس ذلك تماماً، لأن هناك الكثير من الأطفال العنيفين المدللين بالأساس، هؤلاء الأطفال لم يتم وضع حدود لهم إطلاقاً ويعتقدون أنهم يستطيعون فعل ما يريدون.

إنهم يعرفون حقوقهم جيداً، لأن حقوق الأطفال الآن هي أكثر ما يتم التركيز عليه، لكنهم بالطبع لا يعرفون واجباتهم ومسؤولياتهم.

حتى لو كان الوالدان معهم وهم عادة متواجدين معهم…

الأطفال المدللون والمعرضون للحماية المفرطة

كيف نصل إلى هذه المرحلة؟

على سبيل المثال، يقوم المعلم بتحذير هؤلاء الأطفال أو معاقبتهم، فيتجادل الوالدان حول كيفية معاقبة أطفالهم…وبعد ذلك يشعر هؤلاء الأطفال أن هناك من يحميهم.

هذه النماذج تحدث كثيراً في العصر الحديث.

بكل بساطة، لا يعرف الأطفال الحدود، وليس لديهم فرامل مدمجة في تكوينهم أو طريقة تفكيرهم، وليس لديهم قواعد مدمجة. لقد اعتادوا أن يكونوا مهمين جداً وأن يكونوا قادرين على فعل ما يريدون.

تلعب الأسرة دوراً مهماً، لكن سيكون من الظلم حقاً إلقاء اللوم كله على الأسرة. فبعد كل شيء، يجب أن نتذكر أن الأسرة هي في الأساس الناقل لا أكثر، بينما المجتمع والثقافة هما المولدان الحقيقيان للعنف والقيم المنحرفة.

إنهما المسؤولان الأساسيان عن ذلك، يليهما طبعاً الأسرة التي تنقل كل هذا. وعند التحدث عن هذان العاملان اللذان يبثان السلوك العدواني، تتمتع وسائل الإعلام بقوة كبيرة.بالتأكيد لا نتحدث هنا عن وسائل الإعلام التقليدية، لأن أطفال اليوم لا يقرأون الصحف والجرائد.

premium freepik license
يتمتع كل من التلفاز والإنترنت اليوم بقوة وتأثير أكبر بكثير.

بالتالي فعبر هذه الوسائل، ومنها الإنترنت والتلفاز والألعاب والهواتف الخلوية، يستطيع الأطفال رؤية الكثير من مشاهد العنف.

حتى لو لم يكن هناك أي أعمال عنف داخل الأسرة، يشاهد الأطفال الكثير من مشاهد العنف في العالم الافتراضي مما يؤدي بكل بساطة إلى انخفاض نسبة حساسيتهم وتأثرهم.

لقد تم رفع عتبة العنف لدرجة عالية جداً. إذ تظهر الأبحاث أن الطفل يرى حتى عمر ال12 سنة ما يقارب 10000 جريمة قتل وحوالي 100000 عمل عنف أو مشهد عنف.

العنف في السينما

يمكن مشاهدة العنف كذلك في الأفلام, هناك الكثير من الأفلام الضخمة التي تتضمن مشاهد عنف. ما يهم هو أن العنف ليس أمراً إيجابياً، وأن نتائجه السلبية مثبتة.

لكن نادراً ما تكون النظرة إليه كذلك!

إن لم يرَ الأطفال الأمور من هذا المنطلق، ورأوا أن العنف أمر طبيعي، وأن الشخص المتنمر يصبح بطلاً، او أنه تمكن من الوصول إلى ما يريده أو إلى أن يصبح شخصاً ثرياً في حياته، أو يصبح بطريقة او بأخرى هو المنتصر، سيعجبون به. وإذا كانت نهاية المتنمر سيئة، سيغير ذلك الأمر. فجميعنا نعلم أن الأطفال يتعلمون عبر النماذج، وأن لديهم أشخاص يعتبرونهم نموذجاً ويقلدونهم.

أما الآن، وحين ترون كيف يعيش مثالهم الأعلى في عالم السينما أو غيره… ستدركون أنهم لا يتبعون أبداً نموذج القيم التي يجب أن يتبعها أطفالكم. ليست القيم المتعارف عليها عالمياً لشخص ما كي يكون ناجحاً.

الحقيقة كتجربة وحشية
إنها أشبه بتجربة وحشية.

إذا شجعتم المعارك والخلافات والتعصب والحسد والقيل والقال، ستخلقون نظام قيم مناقض. وهذا هو الوضع الذي يحصل فيه الأسوأ على مكافأة.

والأطفال يعشقون هذا. في النهاية إنها المشاهد التي يتابعها أهلهم، والأطفال يرون ما يحدث من الأمور “المثيرة للاهتمام”.

والأهل لا يفسرون لأطفالهم ما يشاهدونه.

premium freepik license
النظام يغذي وينمي العنف

الآن، أصبح لديكم نظام كامل ينمي العنف، ويغذي قيم النجاح بأي ثمن. سواء عبر ان يصبح المرء جشعاً أو غير صادق وغير أمين أو كما يقولون واسع الحيلة محتالاً.

ولكن ما هي الإجراءات التي تستطيع المدرسة اتخاذها؟

هناك بعض الأبحاث التي يتم فيها طرح أسئلة حول العنف للطلاب وللأساتذة ولإدارة المدرسة والمدير والسكرتيرة وللخدمات المهنية في المدرسة نفسها…

إنها أسئلة حول عدد المرات التي تعرض فيها أحدهم للعنف، أو حتى عدد المرات التي لعب فيها أحدهم دور المعتدي… وبفضل الإجابات، تحصلون على نتائج متفاوتة جداً.

الإجابات الأكثر مصداقية ستكون إجابات الطلاب. لأن المعلمون وفريق العمل المختص يسعون إلى التقليل من حدة العنف في المدرسة، ولأن الكشف عن وجود عنف في مدرستهم لا يناسبهم إطلاقاً.

إذا دققتم في النتائج، ستحصلون في نفس المدرسة مثلاً، وفق إجابات الطلاب أن هناك 40% من العنف الجسدي، بينما وفق إجابات الإدارة قد تكون النسبة بين 5 و10 %.

ثانياً، غالباً ما يتم تسجيل الأطفال العنيفين ومعاقبتهم بكل بساطة، وكأن هذا الأمر سيحل المشكلة. ومع ذلك تثبت الدراسات أن العقاب هو عبارة عن إجراء متطرف، وشر لا بد منه.

تسمم عقلي

لتغيير نظام القيم وخلق جو مختلف في المدرسة، يكمن الحل في أمور مختلفة تماماً. بالتأكيد المدرسة ليست بمعزل عن المجتمع.

لذلك، فإن الأمور يجب أن تتغير أيضاً في المجتمع. لكن كما ترون، عندما يحاول وزير الثقافة في أي بلدٍ كان الحد من تلفزيون الواقع أو العنف على شاشات التلفاز، تتم معاقبته دون محاكمة. يتم ردعه عن ذلك.

ثانياً، إن الأمر الأهم الذي يجب التفكير فيه هو الحصول على مجتمع طبيعي وصحي، لا الحصول على شخص يريد أن يملأ جيوبه بالمال بأي ثمن؟

اترك رد